ارتفاع أسعار البنزين في السعودية يُثقل كاهل الأسر ويدفع الحكومة للاستجابة

ارتفاع أسعار البنزين في السعودية يُثقل كاهل الأسر ويدفع الحكومة للاستجابة

في خطوة أثارت موجة من الاستياء بين Motorists وعائلات متوسطة الدخل، رفعت وزارة الطاقة السعودية أسعار البنزين بنسبة 12% في أول أبريل، لأول مرة منذ أكثر من عامين. لم يكن الارتفاع مفاجئًا للخبراء — ففي الخلفية، تشهد أسعار النفط العالمية تقلبات حادة، وتنفق المملكة ما يقارب 2.3 مليار ريال شهريًا على دعم الوقود، وهو رقم يضغط على الميزانية مع تراجع الإيرادات غير النفطية. لكن ما جعل القرار مثيرًا هو التوقيت: في ظل تضخم يلامس 4.1%، وزيادة في تكاليف المعيشة، أصبحت كل لتر من البنزين يُضاف إليه 0.35 ريال — وهو ما يعني أن رب الأسرة الذي يقود 500 كيلومتر أسبوعيًا سيُنفق الآن 18 ريالًا إضافيًا كل أسبوع، أو 72 ريالًا شهريًا. هذا ليس كثيرًا على الورق، لكنه كافٍ ليُشعر المواطن أن الحكومة تُقلل من دعمها تدريجيًا — وهو ما يُعيد تذكير الجميع بتحول اقتصادي عميق.

ما الذي دفع وزارة الطاقة لرفع الأسعار؟

السبب الأساسي؟ تراجع الإيرادات غير النفطية وضغط الميزانية. في 2023، أنفقت المملكة 28 مليار ريال على دعم الوقود، وهو ما يعادل 1.5% من الناتج المحلي الإجمالي. في المقابل، تراجع إنتاج النفط من 9.5 مليون برميل يوميًا إلى 8.7 مليون في الأشهر الستة الماضية بسبب اتفاقية أوبك+، بينما تستمر الطلب المحلي على الوقود في الارتفاع — خاصة مع توسّع البنية التحتية للنقل وزيادة عدد السيارات الخاصة. هنا، لم تعد الحوافز الاجتماعية قابلة للاستمرار دون توازن مالي. لكن الوزارة لم تعلن هذا صراحةً. بدلاً من ذلك، قالت في بيانها: "الخطوة تتماشى مع أهداف رؤية 2030 لتعزيز الاستدامة المالية وتشجيع استخدام وسائل النقل العامة". لكن الكثيرين يتساءلون: أين هي وسائل النقل العامة التي تُشجع عليها؟

ردود الأفعال: من الشارع إلى مجلس الشورى

في الرياض، انتشرت ملاحظات على منصات التواصل: "أصبحت أتجنب الذهاب للسوق الأسبوعي لأن التكلفة باتت أعلى من سعر الخضار"، كتبت سارة عيسى، أم لثلاثة أطفال في حي النرجس. في جدة، بدأ بعض السائقين يلجأون إلى ركوب سيارات الأجرة المشتركة أو تغيير مواعيد عملهم لتفادي أوقات الذروة. حتى في المدن الصغيرة، تأثرت خدمات التوصيل — حيث رفعت شركات مثل ناقل وأرامكس السعودية أسعار الشحن بنسبة 8-10%، مما أثر على تجار التجزئة الصغار.

أما في مجلس الشورى، فقد طالب النائب أحمد المطيري بتشكيل لجنة طوارئ للنظر في "تأثير الزيادة على الطبقات المتوسطة"، مضيفًا: "نحن لا نعارض الإصلاح، لكننا نطالب بشفافية وتعويضات ملموسة". وفي المقابل، قال الخبير الاقتصادي د. خالد الفهد في مقابلة مع "الاقتصادية": "الدعم المباشر للوقود هو أسوأ أشكال الدعم — فهو يفيد الأغنياء أكثر من الفقراء، لأنهم يستهلكون أكثر. التحول نحو دعم مباشر للأسر يُعد خطوة صحية، لكنها تحتاج خطة انتقالية".

التأثير على الاقتصاد غير النفطي

الارتفاع لم يقتصر على الجيوب. في قطاع التصنيع، تأثرت مصانع الأثاث في الرياض وصانعي الأجهزة المنزلية في الدمام، لأن تكاليف النقل واللوجستيات ارتفعت. شركة الصحراء للصناعات أوقفت مؤخرًا خط إنتاج جديد بسبب تكاليف الشحن المتزايدة. وفي قطاع السياحة، أشارت بيانات وزارة السياحة إلى انخفاض بنسبة 7% في عدد الرحلات البرية داخل البلاد خلال الشهر الماضي، مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي. السياح المحليون، الذين يشكلون 60% من النشاط السياحي الداخلي، بدأوا يختارون الوجهات الأقرب أو يلغون الرحلات تمامًا.

ما الذي سيحدث بعد ذلك؟

ما الذي سيحدث بعد ذلك؟

المؤشرات تشير إلى أن هذا ليس نهاية الطريق. وفقًا لمصادر مطلعة داخل وزارة المالية، هناك خطط لرفع أسعار الغاز المنزلي في يوليو، وربما تطبيق ضريبة استهلاك على الوقود في 2025. لكن الحكومة تُعدّ حزمة تعويضات مالية تشمل: زيادة في بدل النقل للعاملين في القطاع الحكومي (من 200 إلى 350 ريالًا شهريًا)، ودعم نقدي مباشر لـ 1.2 مليون أسرة محدودة الدخل — وهي نفس الفئة التي تلقت دعمًا في 2022 أثناء جائحة كورونا. المشكلة؟ لا تزال التفاصيل غير واضحة، والموعد الرسمي للصرف غير مُعلن. بعض الأسر تقول إنها لم تتلقَ أي إشعار حتى الآن.

خلفية: دعم الوقود في السعودية.. من الحلم إلى التحدي

منذ عقود، كانت المملكة تقدم أرخص أسعار البنزين في العالم — أحيانًا أقل من 0.50 ريال للتر. هذا كان جزءًا من "عقد اجتماعي" يضمن رفاهية المواطنين مقابل الولاء السياسي. لكن مع نمو السكان من 25 مليونًا في 2005 إلى 36 مليونًا اليوم، وزيادة عدد السيارات إلى أكثر من 15 مليون مركبة، أصبح هذا النموذج غير مستدام. في 2018، بدأت رؤية 2030 بتعديلات تدريجية، لكن التقدم كان بطيئًا. حتى 2022، كانت أسعار البنزين لا تزال أقل من تكلفة الاستيراد. الآن، بعد أربع سنوات من التأخير، يبدأ التصحيح الحقيقي — لكنه يأتي في وقت حساس: بعد تراجع الدخل الحقيقي للأسر، وارتفاع تكاليف الإسكان، وزيادة الضرائب غير المباشرة.

الآن، يواجه المواطن خيارًا صعبًا: هل يدفع أكثر مقابل وقوده، أم يقلل من حركته — مما يعني تقليل فرص العمل، أو تجنب زيارات العائلة، أو التخلي عن الرحلات الأسبوعية؟ هذا ليس مجرد سعر وقود. إنه اختبار لثقة المواطن في التحول الاقتصادي.

أسئلة شائعة

كيف سيؤثر رفع أسعار البنزين على الأسر محدودة الدخل؟

الأسر محدودة الدخل، التي تُنفق ما بين 15-20% من دخلها على النقل، ستواجه ضغطًا ماليًا مباشرًا. رغم وجود دعم نقدي مخطط له لـ 1.2 مليون أسرة، إلا أن التفاصيل غير واضحة، وعدد من الأسر لم تتلقَ أي إشعار. في المقابل، الزيادة في بدل النقل للعاملين الحكوميين (من 200 إلى 350 ريالًا) لا تغطي الزيادة الفعلية لمن يقودون أكثر من 400 كيلومتر أسبوعيًا.

ما الذي تغير منذ آخر رفع للأسعار في 2022؟

في 2022، كانت الزيادة 30% لكنها جاءت مع حزمة دعم فورية وتعويضات مالية معلنة. هذه المرة، الزيادة أقل (12%)، لكن الدعم لم يُعلن بشكل واضح، ولم تُرفق بخطة نقل جماعي ملموسة. كما أن التضخم ارتفع من 2.5% إلى 4.1%، مما يعني أن القوة الشرائية تراجعت أكثر من الزيادة نفسها.

هل ستُرفع أسعار الغاز المنزلي أيضًا؟

نعم، وفقًا لمصادر داخل وزارة المالية، هناك خطط جادة لرفع أسعار الغاز المنزلي في يوليو 2024، بنسبة تتراوح بين 10-15%. هذا سيؤثر على 90% من الأسر التي تستخدم الغاز للطبخ والتدفئة، خاصة في المناطق الشمالية والشرقية. لم تُنشر أي دراسة تأثيرية حتى الآن، مما يثير مخاوف من تأثير مزدوج على الميزانيات المنزلية.

لماذا لا تُستخدم عائدات النفط لدعم الدفعات؟

رغم أن السعودية لا تزال من أكبر مصدري النفط، إلا أن عائداتها تراجعت بسبب خفض الإنتاج بموجب أوبك+، وارتفاع تكاليف الإنتاج في حقول جديدة. كما أن 70% من العائدات تُخصص للإنفاق الحكومي العام، بما في ذلك الرواتب والمشاريع الكبرى. لا توجد أموال فائضة لدعم مستمر — وهذا هو جوهر أزمة الدعم اليوم.

ما دور النقل العام في تخفيف الأثر؟

النقل العام لا يزال محدودًا جدًا. في الرياض، لا تغطي مترو الأنفاق سوى 15% من المناطق السكنية، وفي جدة لا توجد خطوط قطار كهربائي. المبادرات مثل "أوبر" و"كريم" لا تحل المشكلة، بل تزيد التكلفة. حتى لو زادت استثمارات النقل الجماعي، فستحتاج عقدًا كاملًا لتكون فعالة. هذا يجعل رفع أسعار الوقود دون بديل فوري قرارًا غير عادل للكثيرين.

5 التعليقات
  • Ali al Hamidi
    Ali al Hamidi

    يا جماعة، شوفوا شو صار في بلادنا... من يوم ما خلّوا البنزين يطلع بسعر الدولار، صار كل واحد يحس إنه بيدفع ضريبة على وجوده. ما بس التكلفة، بل حتى الروح بتصير مكتومة. صرت أمشي مشيًا من البيت للمسجد، لأن ما بقدر أدفع 18 ريال أسبوعيًا إضافية. الحكومة تقول "رؤية 2030"، بس ما شفناش رؤية لـ"رؤية 2030" تقدر توصلني للسوق بدون ما أخسر نص راتبي.

    ما بس البنزين، صار كل شيء يطلع بسعر الصرافة. الخبز، الماء، الكهرباء... كلها بتحسّب على الميزانية، والغلابة بس اللي يدفعوا. وين الدعم؟ وين الشفافية؟ وين اللي قالوا لنا إننا بنّا دولة؟

  • إكرام جلال
    إكرام جلال

    يا جماعه انا صرت امشي بالباص وانا مبسوط بس بس لانه ما في خيار غيره... شوفوا شو صار في جدة، صاروا يطلبوا 25 ريال من اول ركوبه حتى لو رحت لبلاصة قريبه، والباص ما يجي الا كل ساعه! وين المترو؟ وين المبادرات؟ الحكومة تقول ندعم النقل العام بس ما عملوا شي غير رفع السعر ونقول انتو اشتغلوا بس.

    انا بس بحب اقول ان الزياده 12% بس بس، بس التضخم 4.1% وانا بدفع 300 ريال شهري على البنزين، يعني صار يطلع لي 100 ريال زيادة من غير ما احس، وانا ماعندي غير راتب واحد! الله يهديهم.

    يا رب اخليهم يسمعونا قبل ما نضطر نمشي بس على رجلين.

  • adham zayour
    adham zayour

    يا جماعة، هذي مش مشكلة بنزين، هذي مشكلة ثقافة الدعم. نحن نعيش في عالم حيث الدعم يُعطى كـ"هبة"، وليس كـ"حق". واللي يدفعون أكتر هم اللي يمتلكون سيارات، واللي يدفعون أقل هم اللي يمشون أو يركبون باص. فلماذا ندعم المركبات بدلًا من الأسر؟

    الحل ببساطة: اوقفوا دعم الوقود، وادفعوا لكل أسرة 500 ريال شهريًا مهما كان عدد السيارات عندها. هيك تضمن إنك تدعم الفقير، وتشجع الأغنياء يفكروا بـ"هل أنا حقًا بحاجة لسيارة ثانية؟".

    بس خلينا نعترف: الحكومة ما عاجبها تقول "أنت غني"، فتفضل تقول "أنت محتاج دعم"، وتضرب الجميع بـ"الإصلاح". كم مرة نسمع كلمة "رؤية" ونحس إنها رؤية من عالم آخر؟

  • Majd kabha
    Majd kabha

    الدعم غير المستدام يقتل الاقتصاد أبطأ من الحرب. الزيادة صغيرة، لكن الرسالة كبيرة: انتوا بقية ناس، والدولة مش ملزمة ترضيكم. النقل العام مش بس مشكلة بنية تحتية، مشكلة ثقافة. لو حكمنا بـ"الكفاءة"، كانوا خلّوا البنزين يطلع بـ2.50 ريال ودفعوا لكل عامل 500 ريال. هيك ينفع الجميع. بس السياسة مش حسابات. السياسة مزاج.

  • Mohamed Amine Mechaal
    Mohamed Amine Mechaal

    الانتقال الطاقي غير المدروس يخلق تكاليف اجتماعية خارج النموذج الاقتصادي. الدعم الوقودي كان تدخلًا ماليًا غير فعال من حيث التوزيع (Pareto inefficient)، ورفعه يمثل تصحيحًا سوقيًا، لكنه يتطلب سياسات تعويضية موجهة (targeted cash transfers) لتفادي تأثيرات التضخم التراكمي على قطاعات الدخل المنخفض. التحول من دعم كمي إلى دعم نقدي هو مسار ضروري، لكنه يتطلب شفافية في التوقيت ووضوحًا في التواصل، وهو ما غاب تمامًا هنا.

أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول المطلوبة محددة*