الكويت تسحب الجنسية من الداعية طارق السويدان و24 آخرين بالتبعية
في خطوة أثارت موجة من الجدل في أرجاء العالم العربي، أصدر أمير دولة الكويت الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح مرسوماً أميرياً رسمياً رقم 227 لسنة 2025، نُشر في الكويت في 7 ديسمبر 2025، يقضي بسحب الجنسية من الداعية والإعلامي طارق محمد الصالح السويدان، و24 آخرين اكتسبوا الجنسية بالتبعية منه. القرار، الذي لم يُذكر فيه أي مادة قانونية محددة، يُعدّ الأكبر من نوعه هذا العام، ويأتي في سياق حملة حكومية ضد ما وصفته السلطات بـ"المزورين" للجنسية الكويتية — خطوة تُعيد تشكيل خريطة النفوذ السياسي والديني في البلاد.
أزمة متراكمة تصل إلى ذروتها
لم يكن قرار سحب الجنسية صادماً لمن تابع مسار طارق السويدان منذ سنوات. فمنذ عام 2019، بدأت السلطات الكويتية بحظره من الخطابة في المساجد، ثم منعته من إلقاء محاضرات في الجامعات، وصولاً إلى محاكمته في يوليو 2024 بتهمة الإساءة إلى المملكة العربية السعودية ومصر عبر تغريدة نشرها في 2023. ورغم برائته من التهمة، فإن الضغوط لم تتوقف. بل على العكس، ازدادت. وبحسب مصادر قانونية كويتية تحدثت لموقع elmanshar.com، فإن ملفه كان موضع مراجعة رقابية مستمرة منذ أكثر من خمس سنوات، مع تدقيق في وثائقه الشخصية، وتحقيقات في مصادر دخله، وتحليل لعلاقاته مع جماعات خارجية.من هو طارق السويدان؟
وُلد طارق محمد الصالح السويدان في الكويت عام 1958، وحصل على الجنسية الكويتية عام 1962، أي قبل أن يبلغ الرابعة من عمره. تخرج من كلية الهندسة في جامعة الكويت عام 1981، ثم حصل على ماجستير في هندسة الكيميائية من جامعة ولاية لويزيانا في الولايات المتحدة عام 1983. عمل مهندساً في شركة نفط الكويت قبل أن يتحول إلى العمل الدعوي والإعلامي، حيث أصبح من أبرز الأصوات الإسلامية في القنوات الفضائية، وألف أكثر من 40 كتاباً في التفسير والفقه، وله ملايين المتابعين على منصات التواصل. لكنه، على مر السنين، تحول من داعية محبوب إلى رمز مثير للجدل — خاصة بعد تبنيه لخطاب نقدي تجاه بعض الأنظمة الخليجية، ودعمه لحركات سياسية عُدّت "مريبة" من قبل السلطات.القرار: غموض قانوني وتأثير اجتماعي
المرسوم لم يذكر سبباً محدداً، ولا حتى مادة من قانون الجنسية الكويتي (القانون رقم 15 لسنة 1959)، وهو ما أثار تساؤلات جدية بين المراقبين. فوفق القانون، يُمكن سحب الجنسية في حالات محددة: الغش في الحصول عليها، أو ارتكاب جرائم تهدد الأمن الوطني، أو حمل جنسية أخرى دون إذن. لكن لا توجد مادة تسمح بسحب الجنسية بسبب "الرأي" أو "الخطاب الإعلامي" — ما يجعل القرار في حد ذاته مثيراً للجدل القانوني.وبحسب بيانات رسمية من وزارة الداخلية الكويتية، بلغ عدد قرارات سحب الجنسية في 2025 حتى الآن 37 قراراً، مقارنة بـ12 فقط في 2022. وهذا التصاعد لا يُفسّر فقط بوجود تزوير، بل يشير إلى تحوّل استراتيجي في إدارة الدولة لـ"الرموز الدعوية والسياسية" التي تُرى كتهديد غير مباشر للأمن الاجتماعي.
من يتأثر؟
القرار لم يقتصر على طارق السويدان وحده. شمل جميع الأشخاص الذين اكتسبوا الجنسية "بالتبعية" — أي أفراد عائلته، زوجته، أبناؤه، وأبناء أبنائه الذين حصلوا على الجنسية عبره. وبحسب تقرير شبكة رصد، فإن العدد الإجمالي للمتأثرين قد يصل إلى 30 شخصاً على الأقل، معظمهم من الأطفال والنساء الذين لم يُتهموا بأي مخالفة. هذا يفتح باباً كبيراً للأسئلة الأخلاقية: هل يُعاقب طفلٌ لم يبلغ سن الرشد لأنه والده نشر تغريدة؟
ردود الفعل: صمت رسمي وصخب إعلامي
الحكومة الكويتية لم تصدر أي بيان تفسيري. لم تُعقد مؤتمرات صحفية، ولم يُنشر أي توضيح من النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء ووزير الداخلية. لكن مسؤولًا في الوزارة، شريطة عدم الكشف عن هويته، قال لـالأهرام المصري: "هذا جزء من حملة لتصفية السجلات، وتطهير الجنسية من المزورين والمستغلين". لكن لم يُقدّم أي دليل على تزوير في حالة السويدان — بل على العكس، وُثّق حصوله على الجنسية بإجراءات رسمية منذ 63 عاماً.في المقابل، اندلعت احتجاجات هادئة في بعض المدن الخليجية، وحملات تضامن على وسائل التواصل، خاصة من المفكرين والناشطين الذين يرون في القرار تهديداً لحرية التعبير. أما في الداخل الكويتي، فالصمت مُطبق. المدارس تمنع الحديث عنه، والقنوات المحلية تتجنب ذكر اسمه، حتى في السياقات التاريخية.
ما الذي سيحدث بعد؟
التأثير المباشر على طارق محمد الصالح السويدان كبير: فقدان الحق في الإقامة، وسحب البطاقة المدنية، وحظر السفر، وفقدان الحق في التملك أو العمل في الكويت. لكن الأثر الأكبر قد يكون على المدى الطويل: هل سيصبح هذا النموذج قاعدة؟ هل سيُستخدم سحب الجنسية كأداة سياسية ضد المعارضين؟الكويت، التي كانت تُعرف بانفتاحها النسبي على الحريات الفكرية مقارنة بجيرانها، تواجه الآن اختباراً حقيقياً: هل ستتحول إلى دولة تُستخدم فيها الجنسية كسلاح للردع؟ أم أن هذا القرار استثناء، وستعود الأمور إلى ما كانت عليه؟
الخلفية التاريخية: سحب الجنسية في الكويت
منذ تأسيس دولة الكويت، لم تُستخدم سحب الجنسية بكثافة. في الثمانينيات، تم سحبها من بعض المعارضين السياسيين، لكن العدد كان ضئيلاً. في العقد الماضي، ازدادت الحالات بشكل ملحوظ، خاصة بعد أحداث 2011 و2017، حين تزايدت الضغوط على جماعات معارضة. لكن في 2025، تجاوزت الأرقام أي سابقة: 37 قراراً في سنة واحدة، مع 24 منهم مرتبطين بعائلة واحدة — وهو أمر لم يُسجل من قبل.وتشير تقارير من الجمعية الكويتية لحقوق الإنسان إلى أن 70% من قرارات سحب الجنسية في 2024-2025 استهدفت أشخاصاً من خلفيات دينية أو إعلامية، وليس جنائيين. هذا التوجه يُثير مخاوف من تحول القانون من وسيلة لحماية الأمن إلى أداة للقمع.
أسئلة شائعة
كيف يؤثر سحب الجنسية على أسرة طارق السويدان؟
يُفقد جميع الأفراد الذين اكتسبوا الجنسية بالتبعية — مثل الزوجة والأبناء — حقوقهم المدنية الكاملة: الإقامة، التعليم الحكومي، الرعاية الصحية، والعمل في القطاع العام. حتى الأطفال الذين وُلدوا في الكويت يصبحون بدون جنسية، ما قد يُعرضهم لخطر التشرد القانوني. لا توجد مسارات قانونية واضحة لإعادة الجنسية، حتى لو كانوا أبرياء.
لماذا لم يُذكر السبب القانوني في المرسوم؟
هذا يُعدّ خرقاً للشفافية القانونية، إذ يُفترض أن أي قرار بسحب الجنسية يُستند إلى مادة محددة من قانون الجنسية. غياب هذه المادة يُعطي سلطة تنفيذية واسعة، وقد يُستخدم كأداة سياسية. في حالات سابقة، مثل سحب الجنسية من ناشطين في 2017، تم ذكر المادة 10 (الانتماء لجماعة محظورة)، لكن هنا لم يُذكر شيء — ما يثير شكوكاً بأن القرار مبني على مبررات سياسية، وليس قانونية.
هل يمكن لطارق السويدان استعادة جنسيته؟
قانونياً، لا توجد آلية رسمية لإعادة الجنسية بعد سحبها، إلا بقرار أميري جديد. وفي حالات نادرة، مثل سحب الجنسية من دبلوماسيين في 2005، تم إعادة الجنسية بعد سنوات بسبب ضغوط دولية. لكن في حالة السويدان، لا توجد إشارات على أي ضغط خارجي، ولا حتى داخلية. لذا، احتمال إعادة الجنسية ضعيف جداً، ما لم يتغير الموقف السياسي للحكومة.
ما العلاقة بين هذا القرار وحملة "المزورين"؟
الحكومة تقول إنها تستهدف "المزورين"، لكن لا تقدم أي دليل على تزوير في ملف السويدان. بل على العكس، وثائقه مُسجلة منذ 1962. المفارقة أن معظم من سُحبت منهم الجنسية في 2025 لم يكونوا مزورين، بل معارضين أو دعاة. إذن، مصطلح "المزورين" يبدو كغطاء قانوني لتصفية حسابات سياسية، وهو ما يُضعف مصداقية الحملة ويُثير مخاوف من استخدام القانون كأداة ترهيب.
هل هذا القرار يُشبه ما حدث في السعودية أو الإمارات؟
نعم، من حيث النمط: استخدام الجنسية كوسيلة للسيطرة على المعارضين. في السعودية، سُحبت جنسيات من دعاة مثل سلمان العودة وناصر العمر. في الإمارات، تم استهداف أكاديميين وكتّاب. لكن الفرق أن الكويت كانت تُعتبر استثناءً في الخليج من حيث التسامح. هذا القرار يُشير إلى تقارب تدريجي مع نموذج دول الخليج الأكثر تشدداً، وهو تحوّل جوهري في الهوية السياسية للبلاد.
ما تأثير هذا القرار على الاقتصاد الكويتي؟
قد يكون تأثيره غير مباشر لكنه حقيقي. طارق السويدان كان يملك عقارات وشركات إعلامية في الكويت، وجميعها ستُصادر أو تُجمد. كما أن هذا القرار يُضعف ثقة المستثمرين الأجانب في استقرار النظام القانوني. إذا كان مفكرٌ أو داعية يمكن أن يُفقد جنسيته دون محاكمة، فكيف يشعر رجل أعمال أجنبي بالأمان؟ هذا قد يُقلل من الاستثمارات، ويُعزز هروب رؤوس الأموال إلى خارج البلاد.
Nouria Coulibaly
هذا القرار مخيف بجدّ. ماذا لو صاروا يسحبون الجنسية من أي واحد ينتقد أي نظام؟ أنت تمشي براحتك، تكتب تغريدة، وفجأة تصبح بلا وطن؟ طارق السويدان عاش في الكويت طول عمره، وبناته وُلدن هنا، وهم الآن بلا جنسية؟ هذا ليس عدالة، هذا ترهيب.
adham zayour
يا جماعة، نحن نعيش في عصر بات فيه القانون أداة لتصفية الحسابات، وليس لحماية الحقوق. سحب الجنسية بسبب تغريدة؟ يا أخي، لو كان هذا معمولًا في مصر، كنت هربت للولايات المتحدة قبل ما أكتب أول تغريدة. الحكومة تقول "مزورين"، لكنها ما أتت بدليل واحد. هذا ليس قانون، هذا مسرحية مكتوبة من قبل من يخاف من الكلمة الحرة.
Majd kabha
الجنسية ليست ملكًا للدولة. هي حق إنساني مكتسب بالانتماء، لا بالولاء السياسي. سحبها بسبب الرأي يحوّل الدولة من مؤسسة حكم إلى منظمة ترهيب.
Mohamed Amine Mechaal
من منظور أمني-استراتيجي، هذا القرار يُعدّ تحوّلًا جوهريًا في نموذج التمكين الاجتماعي الكويتي، حيث ينتقل الاعتماد من التماسك المجتمعي القائم على الشفافية والاندماج، إلى نموذج تأهيل هيكلي يعتمد على التصفية الرمزية للعناصر غير المتسقة مع الخطاب السائد. التوسع في استخدام سحب الجنسية كأداة تكميم للصوت يُشكّل خطرًا تكتيكيًا على الاستقرار طويل المدى، خصوصًا في ظل تزايد التداخل بين الفعل الإعلامي والفعل السياسي.
Nefertiti Yusah
أول مرة أسمع أن تغريدة تكفي تخلّي إنسان يصير مجهول الهوية. طارق السويدان؟ هو اللي كان يشرح التفسير لعشرات الآلاف. والآن؟ صار مُجرّمًا لأنّه قال رأي؟ الله يخليك يا وطن، صرت مملكة من الخوف.