انخفاض أسعار النفط يضغط على ميزانية السعودية ويدفع لتعديلات جذرية

انخفاض أسعار النفط يضغط على ميزانية السعودية ويدفع لتعديلات جذرية

بينما كان العالم يحتفل بارتفاع أسعار النفط إلى 90 دولارًا للبرميل قبل عام، تشهد السعودية اليوم انزلاقًا غير مسبوق: السعر هوى إلى 68 دولارًا، وسط مخاوف من تأثيرات ممتدّة على ميزانية الدولة. هذا الانخفاض، الذي بدأ في مارس 2024، لم يكن مفاجئًا لخبراء الاقتصاد، لكن سرعته وعمقه أثارا قلقًا داخل قصر اليمامة. وزارة المالية السعودية أعلنت مؤخرًا عن تعديلات طارئة في الإنفاق، تشمل تأجيل مشاريع حكومية بقيمة 12 مليار ريال، وتخفيض مخصصات الدعم للقطاعات غير الاستراتيجية، في خطوة تُعد الأشد صرامة منذ 2020.

ما الذي تغيّر حقًا؟

السبب المباشر؟ زيادة إنتاج النفط من قبل روسيا والولايات المتحدة، وتباطؤ الطلب الصيني، الذي يُمثّل 20% من صادرات السعودية. لكن الأعمق من ذلك، هو تحوّل عالمي في الطاقة. مصانع السيارات الكهربائية في أوروبا والصين تشتري الآن كميات أقل من النفط الخام، بينما تزداد كفاءة استهلاك الوقود في الأسواق الناشئة. حتى في الهند، التي كانت تُعدّ نموذجًا للنمو المستمر، تراجعت مبيعات البنزين بنسبة 7% خلال الربع الأول من 2024. هذا ليس تذبذبًا موسميًا. هذا تحوّل هيكلي.

كيف ردّت وزارة المالية؟

في 15 أبريل، أصدرت وزارة المالية السعودية توجيهات لجميع الوزارات بعدم تفعيل أي عقود جديدة غير ضرورية، مع تجميد توظيف 80% من الوظائف الإدارية في الوزارات غير النفطية. كما أُلغيت خطة بناء مطار جديد في جدة، وتم تأجيل مشروع توسعة مترو الرياض من 2026 إلى 2029. هذه القرارات لم تُتخذ بسهولة. مصادر داخل الوزارة أشارت إلى أن الميزانية الحالية تواجه عجزًا محتملاً بقيمة 45 مليار ريال إذا استمر السعر عند مستواه الحالي حتى نهاية العام.

من يدفع الثمن؟

الموظفون الحكوميون، الذين يشكّلون 35% من القوى العاملة في المملكة، يشعرون بالقلق. بعضهم تلقى إشعارات بتأجيل ترقيات سنوية، بينما تراجعت مخصصات السفر للبعثات التعليمية بنسبة 40%. في المقابل، لم تمسّ التخفيضات الدعم الموجه للطاقة أو المواد الغذائية — وهي خطوة مقصودة لتجنب احتجاجات شعبية. لكن التأثير غير المباشر ينتشر: شركات البناء والخدمات التي تعتمد على العقود الحكومية بدأت تُقِلّ موظفيها. في الدمام، أغلقت ثلاث شركات توريد معدات ثقيلة أبوابها منذ فبراير، وفق بيانات الغرفة التجارية.

ماذا يقول الخبراء؟

ماذا يقول الخبراء؟

الدكتور ناصر العتيبي، أستاذ الاقتصاد في جامعة الملك سعود، يرى أن "السعودية لم تعد قادرة على الاعتماد على النفط كمصدر وحيد للدخل، حتى لو كانت احتياطياتها الأكبر في العالم". وأضاف: "التحول الذي بدأه ولي العهد لم يكتمل بعد. هذا الانخفاض ليس عقوبة، بل إنذار مبكر". من جهته، يرى محلل في شركة "أرامكو"، طلب عدم الكشف عن هويته، أن "الشركة تُعدّ نفسها لسيناريو أسوأ: 60 دولارًا للبرميل، وربما أقل". وهذا يعني أن التخفيضات الحالية قد تكون مجرد البداية.

الاستراتيجية الجديدة: التحول لا يُؤجّل

لكن هناك جانبًا إيجابيًا. في ظل الضغوط، تتسارع خطط التنويع الاقتصادي. مشروع نيوم، الذي يُعدّ حجر الزاوية في رؤية 2030، تلقّى زيادة في التمويل بنسبة 15% هذا العام، بينما تم تخصيص 22 مليار ريال لتطوير قطاعات التصنيع المتقدم والطاقة المتجددة. حتى في قطاع السياحة، الذي كان يُنظر إليه كمشروع ثانوي، تُقدّم تأشيرات سياحية الآن بسرعة أكبر، مع حملات إعلانية في أوروبا الشرقية وجنوب شرق آسيا. هذا ليس تحوّلًا بطيئًا. إنه تحوّل مُلزَم.

ما الذي سيحدث في الأشهر القادمة؟

من المتوقع أن تُعلن المملكة عن حزمة تحفيزية جديدة في يونيو، تشمل دعمًا ماليًا للشركات الصغيرة التي توظّف أكثر من 20 موظفًا. كما تُدرس خطة لإطلاق سندات خضراء بقيمة 10 مليارات دولار لتمويل مشاريع الطاقة النظيفة. لكن الأهم: هل ستُعيد السعودية التفاوض مع أوبك+؟ مصادر دبلوماسية تشير إلى أن الرياض تُفضّل الآن التحالف مع الولايات المتحدة في إستراتيجية إنتاج مشتركة، بدلًا من الاعتماد على روسيا — وهو تحوّل جيوسياسي عميق.

خلفية: متى بدأت هذه الديناميكية؟

خلفية: متى بدأت هذه الديناميكية؟

منذ 2016، عندما أطلقت السعودية "رؤية 2030"، كانت تسعى لفصل ميزانيتها عن تقلبات النفط. لكن حتى 2022، كان السعر يتجاوز 80 دولارًا، مما سمح بتأجيل الإصلاحات الصعبة. الأزمة الحالية هي أول اختبار حقيقي للرؤية. في 2020، عندما هوى السعر إلى 20 دولارًا، اضطرت المملكة للاقتراض من الداخل. هذه المرة، لا توجد مخزونات كافية. والفارق؟ هذه المرة، لا تملك الحكومة خيارًا آخر.

ما الذي تعلّمته السعودية من الأزمات السابقة؟

في 2008، بعد انهيار النفط، اضطرت المملكة لتأجيل مشاريع البنية التحتية، لكنها لم تُقلّل من الدعم الاجتماعي — فتفادت الاضطرابات. في 2014، عندما أطلقت الولايات المتحدة موجة من النفط الصخري، تراجعت السعودية عن تخفيض الإنتاج، وسحبت الأسعار إلى أسفل، مما أدى إلى إفلاس شركات النفط الصخري الأمريكية. لكن هذه المرة، لا تملك نفس الأوراق. الصين لا تُريد حرب أسعار. والولايات المتحدة لا تُريد ارتفاع الأسعار. والعالم يتجه نحو ما بعد النفط. هذه المرة، لا توجد خطة بديلة. فقط، خطة تحوّل.

أسئلة شائعة

كيف يؤثر انخفاض أسعار النفط على المواطن العادي؟

التأثير غير مباشر لكنه حقيقي: تأجيل المشاريع الحكومية يعني تقليل فرص العمل في قطاعات البناء والخدمات، وتأخير الترقيات الوظيفية، وانخفاض الطلب على السلع الاستهلاكية. رغم أن أسعار البنزين والكهرباء لم ترتفع، إلا أن تراجع الإنفاق العام يُقلّل من الدوران الاقتصادي، مما يضغط على الأسر ذات الدخل المتوسط.

لماذا لم تُخفض السعودية إنتاجها كما فعلت في 2014؟

لأن السياق تغيّر. في 2014، كانت الولايات المتحدة تنتج نفطًا صخريًا مكلفًا، فخسارة الأسعار كانت تُضعف منافسيها. اليوم، الصين والهند — أكبر مشترين — لا ترغبان في ارتفاع الأسعار، والولايات المتحدة تُفضّل استقرارًا اقتصاديًا. تخفيض الإنتاج الآن قد يُعيد الأسعار للارتفاع، لكنه لن يُنقذ الاقتصاد السعودي، بل يُبطئ التحول الضروري.

ما دور أرامكو في هذه الأزمة؟

أرامكو، التي تُعدّ أكبر شركة نفطية في العالم، تُعيد هيكلة ميزانيتها الداخلية. تراجعت استثماراتها في حقول جديدة بنسبة 25%، وركزت على تحسين الكفاءة وتقليل التكاليف. كما بدأت تُصدر سندات مدعومة بالغاز الطبيعي، وليس النفط، كخطوة نحو تنويع مصادر التمويل. لكنها لا تستطيع أن تُعوّض العجز الحكومي بمفردها.

هل هناك خطر على الاستقرار الاجتماعي؟

حتى الآن، لا. الحكومة حافظت على الدعم الاجتماعي الأساسي، وتجنبت زيادة الضرائب. لكن التوتر يتصاعد في صفوف الطبقة الوسطى، خاصة في المدن الكبرى، حيث ارتفعت تكاليف المعيشة بنسبة 8% خلال 18 شهرًا، بينما لم ترتفع الرواتب. إذا استمر الانخفاض، قد تُضطر إلى إعادة النظر في الدعم غير المستهدف.

ما تأثير هذا على شركات الاستثمار الأجنبي في السعودية؟

الشركات التي تستثمر في قطاعات غير نفطية — مثل التكنولوجيا أو السياحة — لا تزال ترى فرصًا، لأن الحكومة تُقدّم حوافز كبيرة. لكن الشركات التي تعتمد على العقود الحكومية أو البنية التحتية تُعيد تقييم مشاريعها. بعض المستثمرين الأوروبيين بدأوا تأجيل أو تقليل استثماراتهم في مشاريع نيوم، خشية تغيير أولويات التمويل.

ما الذي سيحدث إذا هوى السعر إلى 50 دولارًا؟

إذا وصل السعر إلى 50 دولارًا، فستواجه المملكة عجزًا سنويًا يتجاوز 120 مليار ريال، وهو ما يعادل 4% من الناتج المحلي. هذا سيُجبرها على بيع أصول سيادية، أو الاقتراض من الخارج، أو كليهما. وقد تُضطر إلى تأجيل أو إلغاء مشاريع رؤية 2030 الكبرى، مما يُعيد تأجيل التحول الاقتصادي لعقد كامل.

4 التعليقات
  • إكرام جلال
    إكرام جلال

    يا جماعة، شفنا الخبر وصدمتني الارقام! 68 دولار؟ والله بعد ما كنا نسمع عن 90 قبل سنة، هذا انخفاض مخيف. شوفوا كيف خفّضوا مشاريع المطار والمترو، وخلّوا الوظائف مجمدة. بس والله العظيم، ما في غير هالحل. نحن نعيش في عالم ما يقدر يعتمد على النفط لسه. اتمنى يبقوا يدعموا قطاعات التصنيع والطاقة النظيفة، لأنها الوحيدة اللي تخلصنا.

  • Abdeslam Aabidi
    Abdeslam Aabidi

    أنا أقدر جهد الحكومة، بس أخشى على الموظفين اللي خسروا ترقياتهم أو راحوا يخسروا وظائفهم. ما في أحد يحب يسمع بتأجيل الرواتب أو تقليل السفر التعليمي، خاصة إننا نعرف إن هالناس بيعملوا بجد. بس صراحة، لو ما خفضوا الانفاق دلوقتي، بعدين هنخسر أكتر. التحول صعب، بس هو أحسن من الصدمة الكبيرة اللي ممكن تجي.

  • Nouria Coulibaly
    Nouria Coulibaly

    يا جماعة، لا تيأسوا! هذا ليس نهاية، ده بداية جديدة! نيوم، الطاقة المتجددة، السياحة... كلها فرص كبيرة! لو شفنا الصين وأوروبا بتبني سيارات كهربائية، يبقى نحن نبني مستقبلنا! التحول صعب، بس لو جمعنا قوانا، نقدر نكون قادة في عالم ما بعد النفط! 💪🌍

  • adham zayour
    adham zayour

    يا إخوان، خلّونا نصيح صراحة: الحكومة خلّت الـ2014 تمر وراها وهي بتحلم إن النفط هيعود لـ100، والآن صحيت على حقيقة إن العالم تغيّر. التخفيضات دي مش عقاب، دي إنذار. لو ما عملنا إصلاحات حقيقية، بعدين هنروح نبيع أراضي وعقارات. بس بس... نيوم؟ بس نيوم؟! يارب، شو بقى من ميزانية؟ 😅

أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول المطلوبة محددة*