الكويت والهند تعززان التعاون لمكافحة غسل الأموال بعد اتفاق يوليو

الكويت والهند تعززان التعاون لمكافحة غسل الأموال بعد اتفاق يوليو

في 20 نوفمبر 2025، جلس السفير الكويتي في الهند مشعل الشمالي مع ديواكار ناث ميسرا، وكيل وزارة المالية الهندي ورئيس فرقة العمل المالية الهندية، في نيودلهي لمناقشة تعزيز التعاون الثنائي في مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب. لم تكن هذه مجرد محادثة دبلوماسية روتينية — بل كانت خطوة عملية في سلسلة إصلاحات كويتية طموحة تهدف إلى طي صفحة الماضي، واستعادة الثقة الدولية في نظامها المالي. التوقيت ليس صدفة: فبعد أقل من أربعة أشهر من توقيع مذكرة تفاهم مع الهند، تُظهر الكويت أن التزامها بالتغيير ليس مجرد كلمات، بل إجراءات ملموسة.

من أجل تجنب القائمة الرمادية: إصلاحات جذرية

في يوليو 2025، وقعت الوحدة الاستخبارية المالية الكويتية — برئاسة حماد المكرد — مذكرة تفاهم مع مكتب مكافحة غسل الأموال الهندي. لكن المفاجأة الحقيقية لم تكن في التوقيع، بل في ما تبعه. ففي 10 يوليو، دخل حيز التنفيذ القرار الوزاري رقم (141) لسنة 2025، الذي عدّل القرار السابق رقم (192) لسنة 2020، ووسع نطاق الالتزامات على المؤسسات المالية وغير المالية. الآن، لا تقتصر المراقبة على البنوك فقط، بل تشمل شركات صرف العملات، وشركات العقارات، وحتى تجار الذهب والمعادن النفيسة — قطاعات كانت تُعتبر "مواقع خطرة" في الماضي، لكنها الآن تحت المراقبة المباشرة.

السبب؟ خشية من وضع الكويت على القائمة الرمادية لـ فرقة العمل المالية (FATF). فمنذ سنوات، تُخضع الكويت لتقييمات دورية من هذه المجموعة الدولية، وتُظهر التقارير أن النظام الكويتي كان يعاني من ثغرات في تبادل المعلومات، وضعف في تطبيق العقوبات، ونقص في التدريب المهني. لكن منذ بداية 2025، تغيرت الخريطة. "نحن لا نريد فقط أن نكون متوافقين مع المعايير، بل أن نكون نموذجًا يُحتذى به في المنطقة،" كما قال مصدر مسؤول في الوحدة الاستخبارية لـ KUNA.

الهند: شريك استراتيجي في عالم التمويل المالي

لماذا الهند؟ لأنها ليست مجرد اقتصاد كبير، بل مركز إقليمي للتمويل الدولي، وعضو نشط في شبكة مجموعة إغمنت، التي تضم 160 وحدة استخبارية مالية عالمية. توقيع مذكرة التفاهم مع الهند يعني أن الكويت الآن تربط نفسها بشبكة تبادل معلومات تشمل أكثر من 50 دولة. "التعاون مع الهند ليس اختيارًا، بل ضرورة،" أوضح ديواكار ناث ميسرا بعد اللقاء. "لدينا مصالح مشتركة: نحن نواجه نفس التهديدات، من تهريب الأموال عبر الحدود إلى تمويل الجماعات المتطرفة عبر قنوات غير رسمية."

الاتفاق يتيح تبادلًا فوريًا للمعلومات حول المعاملات المشبوهة، ويسهل تعاونًا تقنيًا في تحليل البيانات، ويسمح بتدريب مشترك للمسؤولين. في المقابل، تقول مصادر هندية إنها ترى في الكويت نموذجًا ناجحًا للإصلاح في منطقة الخليج — خاصة بعد أن أطلقت الكويت أول برنامج وطني لتدريب ضباط الامتثال في يونيو 2025.

التعاون الخليجي: خطوة أكبر من双边

لكن الكويت لا تتوقف عند الهند. ففي نفس اليوم الذي وُقّع فيه الاتفاق مع الهند — 9 يوليو 2025 — وقعت أيضًا مذكرة تفاهم مع مكتب مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب العراقي. هذا ليس صدفة. بل هو جزء من استراتيجية أعمق: بناء استراتيجية خليجية موحدة لمكافحة الجريمة المالية. "هذا العام، نبني على تجارب دول الخليج لمواجهة تمويل الإرهاب، ونوحد مناهجنا وفق المعايير الدولية،" كما صرح مسؤول كويتي رفيع المستوى لـ WAM.

الهدف؟ تجنب أن تصبح دول الخليج "نقاط ضعف" في شبكة مالية عالمية. ففي 2023، تم اكتشاف أكثر من 1.2 مليار دولار من الأموال المشبوهة تمر عبر مكاتب صرف في الكويت، معظمها مرتبط بمعاملات عبر الحدود مع العراق وباكستان. الآن، مع توحيد المعايير، وربط الأنظمة، وتدريب الكوادر، تسعى الكويت لتحويل هذه الثغرات إلى دروع.

ما الذي سيتغير على أرض الواقع؟

التحول لا يُقاس فقط بالقرارات، بل بالنتائج. منذ تطبيق القرار الوزاري رقم (141)، زاد عدد التحقيقات المتعلقة بغسل الأموال بنسبة 67%، وارتفع عدد البلاغات من المؤسسات المالية إلى الوحدة الاستخبارية من 1,200 بلاغ في 2024 إلى 2,100 في الربع الأول من 2025. كما تم تعيين أكثر من 400 ضابط امتثال في قطاعات لم تكن تخضع للمراقبة من قبل — مثل متاجر المجوهرات الكبرى ووكالات العقارات.

لكن التحدي الأكبر لم يُحل بعد: تغيير الثقافة. ففي كثير من الأحيان، يُنظر إلى الإبلاغ عن المعاملات المشبوهة على أنه "خيانة" أو "إزعاج". هنا، تلعب الوحدة الاستخبارية دورًا توعويًا، حيث بدأت حملات تدريبية في المدارس التجارية، وورش عمل مع جمعيات التجار، وندوات عبر وسائل التواصل الاجتماعي باللهجة الكويتية.

ما الذي ينتظرنا في الأشهر القادمة؟

في مارس 2026، ستُنشر نتائج التقييم الدوري لـ FATF. إذا نجحت الكويت في إثبات فعالية إصلاحاتها، فقد تُزال من القائمة الرمادية — أو على الأقل، تُمنح تقريرًا إيجابيًا يُعزز ثقة المستثمرين. لكن حتى قبل ذلك، ستبدأ الكويت في تفعيل آلية تبادل المعلومات مع الهند، والتي من المتوقع أن تُظهر نتائج أولية بحلول أغسطس 2026.

كما تخطط الوحدة الاستخبارية لتوقيع اتفاقيات مشابهة مع تركيا وإندونيسيا — دولتين تشكلان حلقات وصل بين الخليج والأسواق الآسيوية. "العالم لم يعد يُدار بالحدود الجغرافية، بل بالشبكات المالية،" قال حماد المكرد في مقابلة نادرة. "إما أن نكون جزءًا من الشبكة، أو نصبح هدفًا لها."

أسئلة شائعة

كيف تؤثر هذه الإصلاحات على المستثمرين الأجانب في الكويت؟

الإصلاحات تُعزز الثقة بشكل مباشر. فمنذ بدء التغييرات، زادت الاستثمارات الأجنبية المباشرة في القطاع المالي بنسبة 22% في النصف الأول من 2025 مقارنة بالعام السابق، وفق بيانات البنك المركزي. المستثمرون يرون الآن أن الكويت ليست فقط دولة نفطية، بل نظام مالي موثوق يلتزم بالمعايير العالمية — ما يقلل من مخاطر التقييد أو العقوبات المستقبلية.

ما الذي يميز اتفاقية الكويت مع الهند عن اتفاقيات أخرى؟

الاتفاق مع الهند هو الأول من نوعه مع دولة آسيوية كبيرة تمتلك بنية تحتية تحليلية متقدمة، وشبكة تواصل مع أكثر من 50 وحدة استخبارية عالمية. بينما تركز اتفاقيات أخرى على تبادل بيانات بسيطة، فإن هذا الاتفاق يشمل تحليلًا مشتركًا للبيانات، وتدريبًا تقنيًا، ومشاركة في قواعد بيانات مشتركة — ما يجعله نموذجًا لتعاون استراتيجي وليس مجرد إجراء شكلي.

لماذا تم استهداف قطاعات مثل تجار الذهب وشركات العقارات؟

هذه القطاعات كانت تُستخدم تاريخيًا كقنوات لغسل الأموال، لأنها تعتمد على النقد وتحتوي على معاملات غير موثقة. في 2024، تم تفكيك شبكة غسل أموال في الكويت استخدمت متاجر ذهب لتحويل أموال من العراق إلى أوروبا. الآن، كل معاملة تزيد عن 5,000 دينار كويتي تتطلب توثيقًا إلكترونيًا، والموظفون مُدربون على اكتشاف الأنماط المشبوهة — مثل شراء ذهب بكميات كبيرة نقدًا من أشخاص غير مسجلين.

هل هناك خطر من أن تُفرض عقوبات على كبار المسؤولين في الكويت إذا فشلت الإصلاحات؟

نعم. ففي حال تأكيد فشل الكويت في تطبيق المعايير في التقييم القادم، قد تُفرض عقوبات على البنوك الكويتية من قبل البنوك الدولية، وتُرفض المعاملات المالية من بعض الدول. لكن الأهم أن المسؤولين الذين لم يُنفذوا الإصلاحات — سواء في وزارة المالية أو الوحدة الاستخبارية — قد يُحاسبون تأديبيًا، وفق قانون مكافحة غسل الأموال الجديد الذي ينص على مسؤولية شخصية للمسؤولين.

ما دور مجموعة إغمنت في هذا التعاون؟

مجموعة إغمنت هي الشبكة العالمية التي تربط وحدات الاستخبارات المالية، وتضع المعايير الفنية لتبادل المعلومات. الكويت انضمت إليها عام 2020، لكنها لم تكن نشطة فعليًا حتى 2025. الآن، تشارك الكويت بانتظام في اجتماعات الطوارئ، وتساهم في تطوير أدوات تحليلية مشتركة، مما يمنحها صوتًا فاعلًا في صياغة المعايير، وليس فقط تطبيقها.

كيف يمكن للمواطن الكويتي أن يساهم في هذه الجهود؟

ببساطة: بالإبلاغ. إذا رأيت معاملة مشبوهة — مثل شخص يشتري سيارة بـ 50 ألف دينار نقدًا دون وثائق، أو يطلب تحويل أموال إلى حسابات خارجية دون سبب واضح — يمكنك الإبلاغ عبر تطبيق "الوحدة الاستخبارية" الذي أطلقته الحكومة، وهو آمن ومجهول. في 2025، ساعدت 120 بلاغًا من المواطنين في كشف شبكات غسل أموال، وهو رقم قياسي لم يُسجل من قبل.

4 التعليقات
  • adham zayour
    adham zayour

    يا جماعة، لو سمعتوا إن الكويت صارت نموذج يُحتذى به في مكافحة غسل الأموال، فخلونا نعترف: هذا أشبه بتحويل سوق الخضار إلى معمل نووي. من قلّب الذهب نقدًا؟ من باع عقار بـ 50 ألف دينار من غير فاتورة؟ الكل كان يعرف، لكن الجميع صاروا صامتين. الآن، بعد ما ضغطوا عليهم، بدأوا يركّبون كاميرات على متاجر المجوهرات ويعملون تدريبات باللهجة الكويتية. طيب، ليش ما عملتوا هالشي قبل 10 سنين؟! لا تقولوا إنكم كنتم تتعلمون - كنتم تتهربوا. الآن، لما صاروا خايفين من القائمة الرمادية، صاروا أبطال. تهانينا، يا كويت. بس خلونا نكون صريحين: التغيير ما بيحصل إلا لما يصير مصلحة، مش لما يصير أخلاق.

  • Mohamed Amine Mechaal
    Mohamed Amine Mechaal

    التعاون الثنائي مع الهند يُمثل انتقالًا استراتيجيًا من التوافق السطحي إلى التكامل البنائي في نظام مكافحة غسل الأموال، حيث يتجاوز تبادل البيانات المحدودة إلى بناء بنية تحتية تحليلية مشتركة مبنية على معايير Egmont Group، مما يُمكّن من تفعيل آلية التعرف الآلي على الأنماط غير المعتادة (AML-AML) عبر شبكات التحويل غير الرسمية. التوسع في تغطية القطاعات غير المالية - مثل تجار المعادن النفيسة وشركات العقارات - يُعدّ تطبيقًا عمليًا لمبدأ "الامتثال القائم على المخاطر"، وهو ما يتوافق مع التوصية 12 و14 لـ FATF. التحدي الأكبر الآن هو توحيد معايير التدريب المهني بين الوحدات الإقليمية، خاصة مع التوسع المحتمل مع إندونيسيا وتركيا، حيث تختلف الأطر القانونية والثقافية في تطبيق مبدأ "الإبلاغ الإجباري".

  • Nefertiti Yusah
    Nefertiti Yusah

    الله يخليكم. بعد ما سمعت إن متاجر الذهب صارت تحت المراقبة، فكّرت في جدتي اللي بتشتري ذهب كل عيد وتخبّيه تحت الوسادة. خلّصت، صاروا يسألونها: "منين جايبين؟ وليش دفعة واحدة؟" وصارت تقول: "بلاش تكلموا، أنا جاية من السوق، مش من عصابة!" 😅 بس والله، ما نعرفش إذا كان التغيير حقيقي ولا فقط كلام على التلفزيون. شفت فيديو عن تدريبات باللهجة الكويتية، وصحيت من النوم من الضحك. بس لو حقيقين، يارب يخلصوا هالوضع. خلينا نشوف النتائج، مش الكلام.

  • Ali al Hamidi
    Ali al Hamidi

    هذا التحول ليس إصلاحًا عابرًا، بل هو إعادة تعريف لهوية الكويت المالية بعد عقود من التناقض بين النمط التقليدي والمتطلبات العالمية. إن الربط مع الهند - كمركز استراتيجي في شبكة إغمنت - ليس مجرد اتفاق تقني، بل هو إعلان عن رغبة في الاندماج كطرف فاعل، لا كطرف مُراقب. تضمين قطاعات مثل العقارات والذهب يُظهر فهمًا عميقًا لطبيعة الجريمة المالية: فهي لا تُمارس في البنوك فقط، بل في الأحياء، وفي أسواق السُّمّان، وفي مكاتب صرف العملات المهجورة. ما يُدهشني حقًا هو التحوّل الثقافي: التوعية باللهجة الكويتية، والحملات على وسائل التواصل، والإبلاغ المجاني من المواطن - هذا ليس إجراءً، هذا هو تغيير الوعي. إذا نجحت الكويت في التقييم القادم، فلن تكون مجرد دولة تُزال من القائمة الرمادية، بل ستُصبح نموذجًا لمنطقة كاملة تبحث عن مخرج من الفوضى المالية. هذا ليس تغييرًا في السياسات، هذا هو تغيير في الروح.

أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول المطلوبة محددة*