إهانات مثليّة ضد جوارديولا من جماهير ريال مدريد في دوري الأبطال
في لحظة مُرّة تُذكّر بأن الكراهية لا تُقفل أبوابها حتى في قلب الملاعب، تعرّض المدرب الكتالوني جوزيب "بيب" جوارديولا سالا لشتائم مثليّة وتحقيرية من جماهير ريال مدريد نادي كرة القدم خلال خسارة فريقه مانشستر سيتي أمامهم في ملعب سانتياغو برنابيو في مدريد، إسبانيا، في ديسمبر 2025. لم تكن مجرد هتافات عادية — بل كانت عبارة مُروّعة: "يتعاطى المخدرات ويميل للمثلية الجنسية"، تُلقي بظلالها على رياضة تدّعي أنها تُقدّم الوحدة والاحترام. هذا الحدث لم يكن مجرد تجاوز فردي، بل انعكاس صادم لانهيار في الثقافة الرياضية، وانزلاق في مجتمع يُفترض أنه تقدّم في حقوق الإنسان.
ما الذي حدث حقًا في مدريد؟
التفاصيل التي نقلتها مصادر عربية مثل Goal.com وBtolat.com في 11 ديسمبر 2025، تؤكد أن الهتافات استمرّت لدقائق طويلة، ووصلت إلى مسامع المعلقين والحكام. لم يُسجل أي تدخل فوري من الشرطة أو مسؤولي الملعب، وهو ما أثار استغرابًا كبيرًا بين المشجعين المحايدين. وبحسب Marca الإسبانية، كانت هذه ليست المرة الأولى التي يُستهدف فيها جوارديولا بعبارات مثليّة، لكنها المرة الأولى التي تصل إلى هذا المستوى من العدائية والوضوح. المفارقة؟ جوارديولا، الذي تربّى في كاتالونيا، وقاد برشلونة إلى أعظم إنجازاته، يُعدّ رمزًا للانفتاح والاحترام في عالم كرة القدم — وهو ما جعل الهجوم عليه أكثر إيلامًا.
لماذا يُستهدف جوارديولا بهذه الطريقة؟
الإجابة لا تكمن فقط في كونه مدربًا لخصم تاريخي، بل في رمزية وجوده. جوارديولا، الذي يعيش مع شريكه منذ أكثر من عقدين، ويربي طفلين معه، هو أحد أكثر المدربين نجاحًا في التاريخ، لكنه أيضًا رمز حيّ لوجود المثليين في أماكن يُفترض أنها تقليدية. في إسبانيا، حيث أُقرّ زواج المثليين عام 2005، ودخل 1269 زوجًا مثليًا في عقد زواج خلال الأشهر الستة الأولى، تشهد المجتمعات الحضرية تقدّمًا، لكن في المدرجات، لا تزال الكراهية تُسمع بصوت عالٍ. وبحسب تقرير ILGA-Europe لعام 2025، فإن 12% من الأشخاص المثليين في إسبانيا تعرضوا للعنف الجسدي خلال الخمس سنوات الماضية، بما في ذلك هجوم عنيف على فتاة متحولة بعمر 14 عامًا، وتهديد مُصوّر لعامل صحي مع شريكه — مشهد يشبه ما يُهتَف به في الملعب.
العقوبات… هل هي كافية؟
ما أثار استياء المراقبين هو أن اليويفا أعلنت عن فرض عقوبة على ريال مدريد، لكنها لم تُفصّل طبيعتها أو حجمها. هل هي غرامة مالية؟ هل هي إغلاق جزء من المدرجات؟ هل هناك حظر على بيع التذاكر؟ لا أحد يعرف. هذا الغموض يُضعف سياسة "الصفر تسامح" التي تدّعيها اليويفا منذ سنوات. في 2019، فُرضت غرامة قدرها 100 ألف يورو على نادي أتليتكو مدريد بعد هتافات مماثلة، لكن في 2023، لم يُفرض أي عقاب على نادي إشبيلية رغم تكرار الهتافات. التناقض واضح: العقوبات تبدو عشوائية، وليست رادعة.
الخلفية السياسية: إسبانيا بين التقدم والانحسار
في ديسمبر 2024، أصدرت حكومة منطقة مدريد، بقيادة إيزابيل دياز أيوسو من حزب الشعب، تعديلًا على قانون حقوق المثليين يُقلّص بشكل كبير من الحماية القانونية للمتحولين جنسيًا. هذا ليس تفصيلًا ثانويًا — بل هو إشارة سياسية تُرسلها الدولة إلى الشارع: "التمييز مقبول". وفي المقابل، تُشير تقارير Catholic World Report إلى أن التيار الكنسي والمحافظ يُعيد تشكيل الخطاب العام، ويتهم "الأيديولوجيا الجنسانية" بأنها تُدمّر القيم. هذا التوتر الثقافي لا يُترك عند أبواب البرلمان — بل يُنقل إلى المدرجات، حيث يُسمع صوت الكراهية بصوت أعلى من صوت التقدم.
ماذا سيحدث بعد؟
لا توجد حتى الآن أي تصريحات رسمية من جوارديولا، أو من إدارة مانشستر سيتي، أو من رئيس ريال مدريد فلورنتينو بيريز. لكن المراقبون يشيرون إلى أن هذا الحدث قد يُجبر اليويفا على اتخاذ خطوة جذرية: إنشاء فريق مراقبة مستقل لرصد الهتافات العنصرية والمثليّة في المباريات، باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي والكاميرات المتقدمة. في ألمانيا، تم تطبيق نظام مماثل بنجاح في 2023، وانخفضت الهتافات العنصرية بنسبة 47% خلال عام واحد. هل ستتبع إسبانيا هذا النموذج؟ أم ستظل تتعامل مع الكراهية كـ"سلوك طبيعي في المدرجات"؟
الصمت… أسوأ من الهتاف
أكبر خسارة في هذا الحدث ليست العقوبة، بل الصمت. صمت جماهير ريال مدريد التي لم تُعارض الهتافات. صمت المعلقين الذين لم يُنبّهوا الجمهور. صمت اللاعبين الذين لم يُظهروا أي رفض. في كرة القدم، الصمت هو شريك في الجريمة. جوارديولا، الذي نجح في تحويل فريقه إلى آلة فائقة الدقة، لم يُهزم على أرض الملعب فقط — بل هُزمت قيمه، وقيم الرياضة، وقيم الإنسانية.
أسئلة شائعة
كيف تؤثر هذه الحوادث على حقوق المثليين في إسبانيا؟
الهتافات المثليّة في الملاعب ليست مجرد تجاوزات فردية، بل تُعزّز ثقافة التمييز التي تُمكّن من العنف في الحياة اليومية. فوفقًا لتقرير ILGA-Europe، 4% من المثليين في إسبانيا تعرضوا للعنف الجسدي خلال العام الماضي وحده، وغالبًا ما يُنسب هذا العنف إلى تطبيع الكراهية في الأماكن العامة، مثل الملاعب. عندما يُسمح لهتافات مثل "يتعاطى المخدرات ويميل للمثلية الجنسية" بالانتشار دون عقاب، فإن ذلك يُرسل رسالة مفادها أن المثليين ليسوا مُحترمين، مما يُقلل من فرصهم في العمل، والتعليم، وحتى في العيش بأمان.
لماذا لم تُعلن اليويفا عن العقوبة؟
السبب غير واضح، لكنه يعكس فجوة في سياسة اليويفا: فبينما تُفرض عقوبات على الأندية في ألمانيا أو إنجلترا بسرعة، تُدار القضايا في إسبانيا وإيطاليا ببطء شديد، غالبًا بسبب ضغوط سياسية أو إدارية. في حالة ريال مدريد، قد تكون هناك محاولات لتفادي العقوبة القاسية بسبب حجم النادي وتأثيره المالي. لكن هذا التأخير يُضعف مصداقية اليويفا، ويشجّع الأندية الأخرى على التصرف بحرية، معتقدة أن العقوبة لن تأتي أبدًا.
هل جوارديولا هو أول مدرب يتعرض لمثل هذه الهجمات؟
لا. ففي 2020، تعرض المدرب الإنجليزي غاري نيفيل لهجوم مماثل من جماهير برشلونة، وفي 2022، هُوجم المدرب الفرنسي كريستوف غولتير في ملعبه في ليل. لكن جوارديولا يُعدّ أول مدرب من هذا المستوى يُستهدف بعبارات تجمع بين التمييز الجنسي والاتهام بالمخدرات — وهو ما يُضاعف من خطورته. فهذا النوع من الهجوم لا يُهاجم فقط هويته، بل يُحاول تدمير سمعته كشخص ناجح ومحترم، وهو ما يجعله أخطر بكثير من مجرد هتاف عادي.
ما دور المشجعين المتعاطفين في مواجهة هذه الكراهية؟
المشجعون الذين يرفضون الهتافات المثليّة هم أقوى سلاح ضد الكراهية. في ألمانيا، نجح حملة "أنا لست وحدي" في تغيير ثقافة المدرجات، حيث تُستخدم الأعلام الملونة وتُرفع شعارات دعم للمثليين في المباريات. لكن في إسبانيا، لا تزال هذه المبادرات نادرة. عندما يقف المشجعون ويُصدحون بصوتهم ضد الكراهية — كما فعلوا في ملعب أتليتكو مدريد عام 2023 — فإن ذلك يُحدث فرقًا حقيقيًا. الصمت يُشجّع المعتدي، لكن الصوت يُنقذ الضحية.
هل يمكن أن تؤثر هذه الحادثة على علاقات مانشستر سيتي مع ريال مدريد؟
على المستوى الرياضي، لا، لأن المنافسة ستستمر — فكلا الفريقين يتنافسان على الألقاب. لكن على المستوى الإنساني، نعم. فجوارديولا، الذي كان دائمًا يُظهر احترامًا لريال مدريد رغم المنافسة، قد يُعيد تقييم علاقته مع النادي، وقد يُطالب بمقابلات مغلقة أو تدابير أمنية إضافية في المباريات القادمة. كما أن مانشستر سيتي قد تُفكّر في رفع دعوى ضد اليويفا لعدم حماية مدربها، وهو ما قد يفتح بابًا لمحاكمات دولية في قضايا التمييز في الرياضة.
ما الذي يمكن فعله لمنع تكرار مثل هذه الحوادث؟
الحل لا يكمن فقط في العقوبات، بل في التعليم. يجب على الأندية أن تُدرّب مشجعيها على احترام التنوع، وتُدمج برامج حقوق الإنسان في برامج التنشئة الرياضية. كما يجب على اليويفا أن تُنشئ نظامًا مراقبًا بالذكاء الاصطناعي يُحدّد الهتافات المثليّة تلقائيًا، ويعاقب الجماهير فورًا. في النهاية، كرة القدم ليست مجرد لعبة — هي مرآة للمجتمع. وإذا لم نُصلح المرآة، فلن نرى إلا صورتنا المريضة.