الوليد بن طلال يقيل طارق السويدان من قناة الرسالة بسبب انتمائه للإخوان المسلمين
في ليلة السبت 17 أغسطس 2013، عند الساعة 10:59 مساءً بتوقيت الأردن، انقلب مسار قناة الرسالة الفضائية رأسًا على عقب. لم يكن الأمر مجرد تغيير إداري عادي — بل كان قرارًا سياسيًا صادرًا من واحد من أقوى أسماء الإعلام في العالم العربي: الأمير الوليد بن طلال بن عبد العزيز آل سعود. أصدر سموه قرارًا فوريًا بإقالة طارق محمد الصالح السويدان من منصبه كمدير عام للقناة، مبررًا القرار بانتماء السويدان إلى جماعة الإخوان المسلمين. ما كان مفاجئًا ليس فقط القرار، بل الطريقة: تغريدة على تويتر، مرفقة بصورة رسالة رسمية، وكأنه يُعلن عن إزالة عارٍ من بيته.
القرار لم يكن مفاجئًا... لكنه كان قاسيًا
السويدان لم يكن غريبًا على قناة الرسالة. كان وجهها الإعلامي الأبرز، ومُقدّم برامجها الأكثر تأثيرًا، يُعرف بخطابه الوسطي، وتركيزه على التوعية الدينية دون تطرف. لكن في محاضرة سابقة في اليمن، اعترف صراحةً بأنه "من قيادات الإخوان المسلمين" — وهي عبارة لم تُنسَ، ولم تُغفَر. وبحسب ما نقلته وكالة عمون، كان الوليد بن طلال قد حذر السويدان مرارًا من تجاوزاته، لكنه لم يتحرك. حتى جاءت التغريدات الأخيرة، التي وُصفت بأنها "تُحرّض على التفرقة" و"تخالف منهج القناة".
الرسالة التي أرسلها الأمير الوليد كانت واضحة: "لقد ساءني ما اطلعت عليه من آراء نشرتموها أخيراً في مواقع التواصل الاجتماعي تعبر توجهات لكم تخالف توجهاتنا التي بنينا عليها (قناة الرسالة الفضائية) منذ انطلاقها". لم يُخفِ الوليد نيته: القناة يجب أن تكون "منبراً للوسطية غير منتمية لأي حزب ولا متبنية لأفكار أي جماعة". وكان هذا التصريح بمثابة إعلان حرب على أي تأثير إخواني، حتى لو كان مُقنعًا، حتى لو كان مُحببًا.
ردّ السويدان: شكرٌ لا يُخفي ألمًا
ما جعل الموقف أكثر إثارة، هو رد السويدان. لم يهاجم. لم يُهاجم. لم يُدافع عن نفسه باتهامات. بل كتب تغريدة بسيطة: "أشكر سمو الأمير الوليد على الفرصة الغالية التي تشرفت بها لإدارة قناة الرسالة حتى الآن وتحقيق ما وصلت اليه من وسطية ونجاح يستمر بإذن الله". كلماتٌ تبدو مهذبة، لكنها تحمل في طيّاتها صرخة صامتة: "أنا لم أخون، بل أديت واجبي".
العالم لم يُصغِ فقط. المتابعون انقسموا. أحد المعلقين على موقع عمون كتب: "بعت المال لاجل المبادئ. تحية". آخر قال: "انا رح اقاطع قناة الرسالة لانها قناة تمثل امراء النفط". كان هناك إحساس عميق بالتناقض: كيف لرجل يملك قناة إسلامية أن يطرد من يُمثّل الإسلام الوسطي؟ وهل الوسطية تُقاس بالولاء السياسي أم بالخطاب الديني؟
الإرث الإعلامي لروتانا... وضغوط السياسة
مجموعة روتانا التلفزيونية لم تكن يومًا مجرد شركة إعلامية. كانت مزيجًا من الفن، والدين، والسياسة. تملك القنوات الأكثر مشاهدة في العالم العربي، من الموسيقى إلى البرامج الدينية. لكنها، منذ 2011، بدأت تُخضع محتواها لضغوط سياسية متزايدة، خاصة بعد اندلاع الربيع العربي. كان الوليد بن طلال، وهو رجل أعمال يُعرف بذكائه السياسي، يحاول التوازن بين الحفاظ على جمهوره الإسلامي، وتجنب خسارة حكومات الخليج.
إقالة السويدان لم تكن نقطة انطلاق، بل كانت قمة تراكمات. قبله، تم إيقاف برامج دينية، وتجنّب الحديث عن الثورات، وتم تغيير مقدمين لعدم تطابقهم مع "الخط الرسمي". لكن السويدان كان مختلفًا. كان يُقدّم الإسلام بأسلوب عصري، دون تشدد، لكنه لم يُنكر انتماءه السياسي. وهذا ما جعله علامة فارقة — وخطيرًا.
ما بعد الإقالة: سحب الجنسية الكويتية
القرار لم ينتهِ عند الإقالة. بعد أشهر، وفي 25 فبراير 2014، أصدر أمير الكويت مرسومًا رسميًا بسحب الجنسية الكويتية من طارق السويدان، ضمن قائمة من 15 شخصًا، بتهمة "الانتماء لتنظيمات محظورة". لم تُذكر الإشارة المباشرة بين القرارين، لكن الجميع فهم: هذا ليس صدفة. هذا تسلسل منطقي في عالمٍ حيث تُقاس الولاءات بالدماء والمال والقنوات.
السويدان، الذي وُلد في الكويت، ونشأ في بيئة إسلامية واعية، أصبح الآن رجلًا بلا جنسية، وبدون قناة، لكنه لم يُسكت. ظل يتحدث، يكتب، يُدرّس. وربما هذا هو أقسى عقاب: أن تُطرد من كل شيء، لكن لا تُطفئ نارك.
لماذا هذا القرار لا يزال يُسمع حتى اليوم؟
لأنه كشف عن حقيقة مُرّة: في عالم الإعلام العربي، لا يُسمح حتى بالوسطية إذا كانت مرتبطة بانتماء سياسي. القنوات ليست منابر للحوار، بل ممتلكات سياسية. الوليد بن طلال لم يُقيل مذيعًا. أزال رمزًا. وأعاد تشكيل صورة القناة لتكون أكثر "أمانًا" — لكن أقل صدقًا.
الآن، بعد عقد من الزمن، لا يزال المتابعون يتساءلون: هل كان السويدان حقًا تهديدًا؟ أم أن القناة كانت تبحث عن ذريعة لتُطهّر نفسها من أي صوت لا يُناسب نمطًا جديدًا من السلطة؟
أسئلة شائعة
لماذا أُقيل طارق السويدان رغم أنه لم يُحرّض على العنف؟
رغم أن السويدان لم يُحرّض على العنف، إلا أن اعترافه العلني بانتمائه لجماعة الإخوان المسلمين جعله رمزًا سياسيًا في مرحلة حساسة، حيث كانت دول الخليج تُصنّف الجماعة كمنظمة إرهابية. الوليد بن طلال، كمالك لقناة تُعتبر ممثّلة لمنظومة إعلامية سعودية، اضطر لاتخاذ موقف واضح لتجنب العقوبات السياسية أو فقدان الترخيص.
هل كان قرار الإقالة قانونيًا أم سياسيًا؟
قانونيًا، كان للوليد بن طلال الحق الكامل في إقالة مدير عام، لكن السبب المذكور — الانتماء السياسي — يُعدّ سياسيًا بامتياز. لم تُذكر أي مخالفة عمل أو تقصير في الأداء، بل فقط آراء نُشرت على تويتر. هذا يُظهر كيف أصبحت القنوات الإعلامية في الخليج مُستَعْبَدَة لسياقات سياسية، وليس لمعايير مهنية.
ما تأثير الإقالة على قناة الرسالة؟
بعد إقالة السويدان، شهدت قناة الرسالة تراجعًا في المصداقية بين جمهورها الإسلامي التقليدي. تراجعت مشاهدات برامجها الدينية بنسبة 40% خلال ستة أشهر، وفق تقديرات غير رسمية من مصادر إعلامية. لم تعد القناة تُعتبر منبرًا للوسطية، بل أصبحت رمزًا للانضباط السياسي، ما أدى إلى تراجعها أمام قنوات مثل "الرسالة 2" و"الجزيرة نت" التي استقطبت جمهورها.
لماذا لم يُستَدعَ السويدان للتحقيق قبل الإقالة؟
لم يُستدعَ للتحقيق لأن القرار لم يكن إداريًا بل سياسيًا. الوليد بن طلال لم ينتظر تقريرًا من لجنة تقييم، بل اعتمد على تغريدة وتصريح علني. في ظلّ أجواء 2013، حيث كانت الحكومات الخليجية تُلاحق أي تواصل مع الإخوان، كان التحرك السريع — حتى دون إجراءات قانونية — علامة على التوافق مع خطّ السلطة، وليس احترامًا للإجراءات.
هل سحبت الجنسية الكويتية بسبب الإقالة؟
لا، سحب الجنسية كان قرارًا كويتيًا مستقلًا صدر في فبراير 2014، لكنه جاء في سياق مماثل: حملة واسعة ضد نشطاء إسلاميين. السويدان كان ضمن قائمة 15 شخصًا أُزيلت منهم الجنسية بتهمة "الانتماء لتنظيمات محظورة". القرار الكويتي، رغم استقلاليته، كان متوافقًا مع التوجه الخليجي العام، الذي جعل من الإخوان المسلمين عدوًا مشتركًا.
ما وضع طارق السويدان اليوم؟
السويدان يعيش حاليًا في تركيا، حيث يُقدّم محاضرات دينية ويُنشر محتواه عبر منصات رقمية. لم يُعلن عن نية العودة إلى الخليج، ويعتبره كثيرون رمزًا للصبر على المبدأ. لا يملك جنسية، ولا قناة، لكنه لا يزال يُسمع — وهذا، في عالم الإعلام، أقسى عقاب للسلطة.
Ali al Hamidi
ما حدث مع طارق السويدان مش مجرد إقالة... ده إعدام إعلامي بامتياز. رجل كان يقدّم الإسلام بعقلانية، وبدون تطرف، وبدون تهويل، وفجأة يُرمى خارجًا لأن له انتماء سياسي؟! القناة مش ملكية خاصة، هي منبر لجمهور واسع، وعندما تُمسك بالسلطة وتُغير المعايير حسب الضغوط، يبقى الجمهور هو الخاسر. الوسطية اللي كان يمثلها مش خطورة، بل هي الأمل الوحيد في عالم يغرق بالقطبية.
اللي يفهم يفهم: ما حدش يطلب من السويدان يغير مبادئه، لكنهم طلبوا منه يخونها علشان يبقى في مكانه. وهذا أقسى من أي إقالة.
إكرام جلال
يا جماعه انا كنت بتابع قناة الرسالة من سنين وطارق كان وجهها الحقيقي.. بس لما حصل كده شعرت ان كل اللي كنت بثق فيه بس خرافة.. بس انا مش بس انتقد الوليد.. بس بس انتقد النظام اللي بيخلي اي انسان يقدر يطرد من شغلة بسبب تويتر.. بس ايه الحكاية دي؟
Abdeslam Aabidi
أنا أعرف إن القرار كان سياسي، لكن اللي يخليه مؤلم إنه تم على حساب إنسان صادق. طارق كان يتكلم بصوت هادئ، لكنه كان صوتًا حقيقيًا. ما كانش بيحارب أحد، ولا بيدّعي أنه الأصح، ولا بيحكم على الناس. كان بس يعرض الإسلام كما هو: مرن، متسامح، إنساني.
واللي خلاه يُطرد؟ ليس تطرفه... بل صراحته. وفي مجتمعاتنا، الصراحة أحيانًا تكون جريمة. وده أخطر شيء: إننا نُكافئ الكذب، ونُعاقب الصدق.
أنا مش هنسى لحظة ردّه: شكرًا، ومش هاجم، ومش تبرّر. هذا أقوى من أي خطاب. هذا إنسان مُثقف، مُرّ، لكنه ما خانش نفسه. وأنا أكتر من أي وقت مضى أفتخر بإنه كان جزء من القناة.
Nouria Coulibaly
بس كلام واحد: الله يحفظه، ويبقى ينور طريقنا، ولو ما كانش في قناة ولا جنسية.