عيد الاتحاد الـ54: مسيرة القبائل في أبوظبي تُعيد تأكيد وحدة الإمارات والخليج

عيد الاتحاد الـ54: مسيرة القبائل في أبوظبي تُعيد تأكيد وحدة الإمارات والخليج

في صباح الثاني من ديسمبر 2024، تجمّع آلاف المواطنين في شوارع أبوظبي، لا ليراقب عرضاً عسكرياً أو مسيرةً رسمية فحسب، بل ليشهدوا لحظة تجسّد فيها الروح الإماراتية الأصيلة: مسيرة الاتحاد لأبناء القبائل، حيث ارتدوا الزي التراثي، وحملوا رايات السبع إمارات، وخطوا بخطوات ثابتة تحت شمس الصباح، كأنهم يعيدون تأسيس الاتحاد أمام أعين العالم. لم تكن مجرد فعالية احتفالية — كانت تذكيراً حياً بأن الوحدة لم تُبنى على أوراق سياسية فقط، بل على دمٍ واحد، وقبيلة واحدة، وقلب واحد.

الوحدة قبل الأرض: عندما جمعت القبائل قبل أن تجمع الحكومات

في تحليل نشرته صحيفة الخليج في الأول من ديسمبر، أشار شيوخ ومسؤولون إلى أن الآباء المؤسسين، بقيادة المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، لم يبدأوا بتوحيد الأراضي، بل بتوحيد القلوب. قبل أن تُرسم الحدود، كانت هناك روابط قبلية تمتدّ من رأس الخيمة إلى أبوظبي، ومن عجمان إلى الفجيرة، تربط العائلات عبر الصيد والرعي والتجارة. لم تكن الإمارات السبع كيانات منفصلة — بل أجزاء من نسيج اجتماعي واحد. واليوم، عندما يمشي شاب من أم القيوين بجانب رجل من الشارقة في مسيرة الاتحاد، وهو يحمل راية الإمارة التي لم يولد فيها، يُعيد إحياء تلك الروابط التي لم تُمسّها حدود.

القيادة تُحيي التراث... والخليج يهنئ

في تمام الساعة 10:00 صباحاً، وقف صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان على منصة مخصصة في قلب العاصمة، يراقب المسيرة بعينين تعرفان قيمة كل خطوة. خلفه، جلس شيوخ من كل إمارة، بعضهم من أبناء الأجيال التي شهدت التأسيس، والبعض الآخر من شبابٍ لم يولدوا قبل 1971، لكنهم يحملون قصص جدودهم كأمانة. وفي لحظة صامتة، أشار سموه إلى راية رأس الخيمة — التي انضمت رسمياً في فبراير 1972 — وكأنه يقول: حتى من لم يحضر في اليوم الأول، يُحتفى به في اليوم الخامس والأربعين.

من البحرين، وصلت برقية تهنئة من علي بن صالح الصالح، رئيس مجلس الشورى، إلى صقر غباش، رئيس المجلس الوطني الاتحادي. لم تكن البرقية شكلاً دبلوماسياً عابراً — بل كانت وثيقة تأكيد على أن العلاقة بين البلدين ليست حديثة، بل جذورها تعود إلى ما قبل 1971. كتب الصالح: "العلاقات الأخوية بين مملكة البحرين ودولة الإمارات تزداد نماءً وازدهاراً تحت دعم القيادة الحكيمة لحضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، وأخيه صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان". هذه الجملة، ببساطتها، تختصر عقداً من التعاون الأمني، الاقتصادي، والثقافي.

ما الذي تغيّر منذ 1971؟ أكثر مما تتخيل

ما الذي تغيّر منذ 1971؟ أكثر مما تتخيل

في 1971، كان متوسط دخل الفرد في الإمارات أقل من 1000 دولار سنوياً. اليوم، وفق بيانات البنك الدولي، يتجاوز 70 ألف دولار. لم تكن هذه القيمة ناتجة عن النفط وحده — بل عن بناء مؤسسات، وتعليم، وقانون، وانفتاح. وعندما يتحدث المسؤولون عن "صدور الإمارات لسلم المجد"، فإنهم لا يقصدون فقط الترتيب العالمي في التنافسية أو الابتكار — بل يقصدون أن دولةً كانت تُعرف بخيامها وقواربها الصغيرة، أصبحت اليوم موطناً لأكبر مطار في العالم، وأول دولة في العالم تطلق مسباراً إلى المريخ.

لكن الأهم من كل هذا، أن هذه الإنجازات لم تُبنى على نموذج استبدادي أو إقصائي. بل على مبدأ: "الكل يُشارك، والكل يُكافأ". هذا ما جعل مشاركة أبناء القبائل في المسيرة أكثر من رمزية — فهي تُظهر أن النجاح لا يُحتكر، بل يُوزّع على أرضٍ واحدة.

العلاقات الخليجية: نموذج يُحتذى، لا مجرد تبادل تهاني

النائب البحريني بدر التميمي قال في تصريح نُشر في 2 ديسمبر: "العلاقات الإماراتية البحرينية تمثل أنموذجاً فريداً في التضامن الخليجي المبني على الثقة والرؤية المشتركة". هذه ليست مجرد عبارة دبلوماسية. ففي 2023، تجاوزت التجارة البينية بين البلدين 15 مليار درهم، وشارك أكثر من 200 ألف مواطن بحريني في مشاريع إماراتية، بينما يعمل أكثر من 300 ألف إماراتي في البحرين. لا يوجد اتفاق رسمي يُسمى "الاتحاد الخليجي"، لكن هناك اتحاد عملي، يومي، يُبنى على التبادل البشري قبل السياسي.

حتى في التعليم، تُدرس مادة "الوحدة الخليجية" في المدارس الإماراتية والبحرينية معاً، وتُقام مسابقات طلابية مشتركة تحت شعار "نحن واحد قبل أن نكون دولًا". هذه ليست سياسة دعاية — هذه ثقافة.

ما الذي يأتي بعد عيد الاتحاد؟ اليوم الوطني... وربما أكثر

ما الذي يأتي بعد عيد الاتحاد؟ اليوم الوطني... وربما أكثر

في الثالث من ديسمبر، يُحتفل باليوم الوطني — وهو اليوم الذي أُقر فيه دستور الاتحاد. لكن في الإمارات، لا يُفصل بين المناسبتين. فكأنهم يقولون: الوحدة ليست حدثاً في 2 ديسمبر، بل هي حياة يومية تُمارس في 3 ديسمبر، وفي كل يوم يليه. وفي العام المقبل، يُتوقع أن تُطلق دولة الإمارات مبادرة "الاتحاد الرقمي"، تجمع فيها المكتبات والمتاحف الوطنية في منصة واحدة، لتمكين كل طفل من الإمارات أو البحرين من زيارة متحف الفجيرة من دبي، أو مكتبة أبوظبي من عجمان، بضغطة زر.

الآن، بعد 54 عاماً، لم تعد الوحدة مجرد ذكرى — بل أصبحت وسيلة للبقاء في عالم يتغير بسرعة. والدليل؟ عندما تُقفل الحدود في العالم، تبقى أبوظبي ودبي والمنامة مفتوحتين لبعضهما البعض. ليس لأنها مصالح، بل لأنها عادات. وليس لأنها اتفاقات، بل لأنها قلوب.

أسئلة شائعة

كيف ساهمت القبائل في تأسيس دولة الإمارات؟

القبائل كانت العمود الفقري للوحدة، فقبل توقيع اتفاقية الاتحاد في 2 ديسمبر 1971، كانت هناك شبكات تجارية واجتماعية قوية تربط بين إمارات السبع، خاصة في مجال الصيد والرعي والنقل. شيوخ القبائل، وليس فقط الحكام، كانوا جزءاً من المفاوضات، ووافقوا على الوحدة لأنها حافظت على هويتهم وكرامتهم، وليس لأنها فرضت عليهم نظاماً جديداً.

لماذا تُعتبر مسيرة الاتحاد أكثر من مجرد عرض تقليدي؟

لأنها تُعيد إنتاج تاريخ حي، وليس فقط تذكير به. كل مشارك يحمل راية إمارة لم يولد فيها، وهذا يُظهر أن الهوية الإماراتية لم تعد مرتبطة بمنطقة جغرافية، بل بانتماء مشترك. المسيرة تُرسّخ فكرة أن المواطن لا يُعرّف بولايته، بل بولائه للدولة ككل — وهذا ما يميز الإمارات عن كثير من الدول التي لا تزال تُقسّم مواطنيها حسب الأصول.

ما الذي يجعل العلاقات بين الإمارات والبحرين فريدة في الخليج؟

العلاقات لا تعتمد فقط على القيادة، بل على التداخل المجتمعي: أكثر من 40% من سكان البحرين لديهم أقارب في الإمارات، ونحو 60% من الطلبة البحرينيين يدرسون في الجامعات الإماراتية. هذا التداخل اليومي، الذي لا يُقاس بالاتفاقيات، هو ما يجعل العلاقة أعمق من أي تحالف سياسي. حتى في الأزمات، لا يُطلب دعم رسمي — بل يُقدّم تلقائياً.

كيف يرى الشباب الإماراتي عيد الاتحاد اليوم؟

الشباب لا يرون الاتحاد كحدث تاريخي، بل كإطار حياة. في استطلاع أجرته جامعة خليفة في نوفمبر 2024، قال 87% من الطلاب إنهم يشعرون بالفخر لأنهم جزء من دولة تُعدّ من أوائل الدول في الذكاء الاصطناعي والفضاء — لكنهم يربطون هذا النجاح مباشرة بالوحدة التي ورثوها. الوحدة، بالنسبة لهم، ليست ماضياً — بل هي أداة للتقدم.

هل هناك أي تغييرات مخطط لها للاحتفالات في السنوات القادمة؟

نعم. تُخطط الحكومة لتحويل "مسيرة الاتحاد" إلى حدث إقليمي سنوي، يشارك فيه ممثلون من كل دول الخليج، وليس فقط من الإمارات والبحرين. كما يُتوقع إطلاق مبادرة "الذاكرة الجماعية للاتحاد"، تجمع شهادات أبناء القبائل من جميع الإمارات في مكتبة رقمية عالمية، لتكون مرجعاً للباحثين والطلاب في جميع أنحاء العالم.

ما العلاقة بين عيد الاتحاد واليوم الوطني؟

عيد الاتحاد (2 ديسمبر) يحتفل بتأسيس الدولة، أما اليوم الوطني (3 ديسمبر) فيحتفل بتبني الدستور وتحديد الهوية القانونية للدولة. لكن في الواقع، لا يوجد فصل بينهما. فالدستور لم يُكتب إلا لأن القلوب كانت قد اتحدت مسبقاً. وهكذا، فالاحتفالان يُشبهان قلبين يدقان معاً — أحدهما يُعلن الوجود، والآخر يُحدد مساره.

4 التعليقات
  • إكرام جلال
    إكرام جلال

    يا جماعة شفتو المسيرة؟ والله ما كنت أتوقع إننا نعيش كده! القبائل بس لبست الزي ومشيت؟ لا، ده كان روح بتحس بيه حتى لو مكنتش معاك في الصباح! حسيت إنني شايف جدّي وهو بيحمل راية أبوظبي وهو مبسوط زي ما كان يبص على الخيل في زمنه..
    بس يلا نعترف، ده كله حلو بس لو نعمله سنوي في كل إمارة، مش بس في أبوظبي، يبقى أكيد هنخلص من فكرة إن الوحدة لسه مسافة من غيرنا!

  • Abdeslam Aabidi
    Abdeslam Aabidi

    أنا من الجزائر، وصراحةً ما كنت أعرف إن العلاقة بين الإمارات والبحرين أعمق من كلام الدبلوماسيين.. شفت الفيديو اللي نزل من مسابقة الطلبة المشتركة، وقلت: والله هذا اللي يسمى وحدة حقيقية..
    في بلادي، نحن نحتفل باليوم الوطني، بس ما أحد يسأل: ليه؟ ليه نحن معاكم؟
    هنا، الوحدة مش رسمية، هي عادة.. زي ما تشرب القهوة مع جارك كل صباح، مش علشان تطلب منه حاجة، لكن علشان تحس إنه جزء منك.

  • Nouria Coulibaly
    Nouria Coulibaly

    يا جماعة، ده مش عيد، ده إنجاز بسّطوه في شكل مسيرة! أخوي، أنا فتاة من الجزائر، بس لما شفت الشباب بيحملوا رايات إمارات مش وطنهم، قلبي انصهر! هذا هو اللي يُسمى وطن حقيقي، مش بس علم ونشيد، ده قلب واحد يدق في كل مكان!
    يالله، نعمل مسيرة زي دي في بلادي، ونقول للناس: احنا واحد، حتى لو ناكل بس من نفس القدر!

  • adham zayour
    adham zayour

    أنا ساكت شوية، بس ده اللي يخلي الناس تقول إن الإمارات مثال؟ بس شوفوا فين اللي بيعملوا مسيرة القبائل في مصر؟ ولا في تونس؟ ولا حتى في السعودية؟
    أنا مش معارض، بس بسّطوا الموضوع، وقولوا الحقيقة: الوحدة هنا مش بس من القلب، هي من تخطيط حكومي ممتاز، ودعاية مُتقنة، وتعليم مُنظّم، وسياحة وطنية مربحة!
    بس.. والله، لو كل دولة عربية عملت كده، كنت هتقول: يا رب، خلصنا من الحروب!
    بس ده مش كفاية، لو عدنا نقول إن الوحدة بس من القلب، نبقى نعيش في وهم.

أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول المطلوبة محددة*