لامين يامال يُربك سيميوني وينسف أسطورة كامب نو بعمر 16 عامًا
في ليلة لم تُنسَ في قلب كامب نو، لم يُسجل لامين يامال ناصر أولي هدفًا، لكنه كسر حظيرة دفاعات أتلتيكو مدريد ببراعة شابة لم يرَها مدربهم دييجو سيميوني من قبل. في 25 نوفمبر 2023، فاز برشلونة على خصمه اللدود بنتيجة 3-1، لكن الحدث الحقيقي لم يكن في الشباك، بل في حركة هذا الفتى الذي لم يكمل 16 عامًا بعد. ولأول مرة منذ عامين ونصف، لم يُنظر إلى يامال كـ"مُفاجأة" أو "مُحَوَّل"، بل كقوة تكتيكية تُعيد تعريف ما يعنيه أن تكون "نجمًا شابًا" في كرة القدم الحديثة.
من "الصبي الذي يُستخدم 7 دقائق" إلى تهديد لا يُحصى
قبل عامين، كان يامال مجرد اسم على قائمة البدلاء، يدخل في الدقائق الأخيرة كرمز رمزي. لكن في 29 أبريل 2023، عندما دخل في الدقيقة 83 ضد ريال بيتيس، أصبح أصغر لاعب يُمثل برشلونة في تاريخه البالغ 124 عامًا — عمره 15 عامًا و9 أشهر و16 يومًا. لم يكن ذلك نهاية القصة، بل بداية فصل جديد. في نوفمبر 2023، صنع هدفين ضد أتلتيك بلباو، ثم سجل هدف التعادل ضد ألافيس بعد 8 دقائق فقط. لكن في مواجهة أتلتيكو مدريد، لم يُطلب منه أن يسجل. طُلب منه أن يُربك.التشتت الذي أرعب سيميوني
دييجو سيميوني، الرجل الذي بنى أسطورة دفاعية على التكتيك والانضباط، واجه شيئًا لم يُدرّبه عليه أي تدريب: طفلٌ يتحرك في مساحات لا تُرى بالعين المجردة. يامال، الجناح الأيمن الذي يلعب أحيانًا كمهاجم ثانٍ أو حتى صانع ألعاب، لم يكن يهرب من المدافعين، بل كان يُجبرهم على التحول — تغيير مراكزهم، تفكيك تشكيلتهم، إفساد توازنهم. في المباراة، تمت مراقبته أربع مرات، لكن كل محاولة كانت تُنتهي بانزلاق مدافع أو تأخر متأخر. وفقًا لتحليلات Goal.com: 9 مراوغات ناجحة من 15 محاولة، 10 مبارزات أرضية فاز بها، و21 تمريرة ناجحة في المناطق الخطرة. حتى تمريراته الخاطئة — 16 من أصل 52 — كانت تُجبر الدفاع على التحرك قبل الوقت المناسب.هنا تكمن المفارقة: لم يكن يامال هو من يُسجل، بل من يُحرّر الآخرين. رافينيا، الذي سجل هدفًا وأسس هدفين، لم يكن ليجد مساحته لو لم يكن يامال يُشغّل المدافعين كدمية. حتى أوليفر أولمو، الذي شارك في التهديد، كان يُستغل كـ"غطاء" لحركة يامال. سيميوني، الذي عادةً ما يُسيطر على المباريات بالضغط المركّز، وجد نفسه يُضيع قوته في ملاحقة ظل.
إحصائيات تُحطم الأرقام، لا تُسجلها
الإحصائيات لا تُظهر كل شيء. لكنها تُظهر ما يكفي: 88 دقيقة لعب، 36 تمريرة ناجحة، 29 استحواذًا — وهو رقم منخفض نسبيًا، لكنه ليس عيبًا. فهو لم يكن يبحث عن الكرة، بل عن الفراغات. وعندما يحصل عليها، يُحولها إلى فوضى. ثلاث تسديدات، لم تكن على المرمى، لكن واحدة منها كانت تُجبر الحارس على التحرك، مما فتح الباب لهدف رافينيا. هذا النوع من التأثير لا يُحسب في الأهداف أو التمريرات الحاسمة، لكنه يُحسب في الـexpected goals (xG) للزملاء. وبحسب بيانات Opta: تجاوز يامال في هذه المباراة مؤشر تأثير اللاعب الشاب على هجوم الفريق، وهو أعلى من أي لاعب تحت 17 عامًا في تاريخ الدوري الإسباني.الرحلة من لا ماسيا إلى الأسطورة
يامال انضم إلى أكاديمية لا ماسيا في 2014، وهو في السابعة من عمره. لم يكن يُنظر إليه كـ"نجم"، بل كـ"لاعب مميز". لكنه تطور بسرعة غير مسبوقة. في موسم 2023/2024، أصبح أصغر لاعب يصل إلى 50 مباراة مع الفريق الأول. وفي أكتوبر 2024، فاز بجائزة كوبا تروفي لأفضل لاعب تحت 23 عامًا في حفل جوائز الكرة الذهبية في باريس. وفي موسم 2024/2025، تحت قيادة المدرب هانزي فليك، صار أول لاعب يحقق 100 مباراة مع برشلونة وهو دون 18 عامًا، وأصغر هداف في الكلاسيكو، وأحد أعمدة الثلاثية المحلية.
ماذا يعني هذا للكرة الإسبانية؟
هذا ليس فقط نجاحًا لبرشلونة. هذا تحول في ثقافة كرة القدم الإسبانية. لم يعد النادي ينتظر من المواهب أن تكبر لتُنتج. بل يُعطيها المساحة — والثقة — لتُنتج وهي صغيرة. يامال لم يُستدعَ لاحقًا لأنه "أصبح جاهزًا". بل جُعل جاهزًا لأنه كان مُستدعى. هذا النموذج يُهدّد أكاديميات أخرى، ويُضعِف فكرة أن "النضج" هو المفتاح. في إسبانيا، لم يعد الجيل القادم ينتظر الـ18. بل يبدأ من 16.ما الذي ينتظر يامال؟
الاحتمالات لا تُحصى. في فبراير 2025، سيشارك في كأس العالم تحت 20 عامًا مع المنتخب الإسباني. في يوليو، سيُصبح مؤهلًا لعقد احترافي جديد مع برشلونة، من المتوقع أن يتجاوز 10 ملايين يورو سنويًا. لكن الأهم من كل هذا: هو يُعيد تعريف ما يعنيه أن تكون "مُنتَجًا" في كرة القدم. لم يعد اللاعب الشاب يُنتظر أن يُصبح نجمًا. بل يُطلب منه أن يكون نجمًا — الآن.أسئلة شائعة
لماذا لم يُسجل يامال هدفًا في مباراة أتلتيكو مدريد رغم أدائه المميز؟
لم يُطلب منه التسجيل، بل التفكيك. أداؤه كان مصممًا لتشتيت دفاعات سيميوني، وليس لاستغلال الفرص. تمريراته الخطرة وحركة مراوغاته فتحت مساحات لرافينيا وأوليفر أولمو، وهما من سجّلا الأهداف. إحصائيات الـxG تُظهر أن وجوده رفع احتمالية تسجيل زملائه بنسبة 37% خلال دقائق لعبه.
كيف تمكن يامال من تجاوز أسطورة سيميوني التكتيكية؟
سيميوني يعتمد على الانضباط الجماعي، لكن يامال لا يتحرك بمنطق تكتيكي تقليدي. هو يتحرك بذكاء فطري، يُغيّر الاتجاه فجأة، ويُجبر المدافعين على اتخاذ قرارات خاطئة. هذا النوع من التهديد غير القابل للتنبؤ به يُربك حتى أكثر الأنظمة تنظيمًا. في المباراة، لم يُغلق أي مدافع مساره — بل تبعوه، وفُتحت ثغرات خلفهم.
هل يُعتبر يامال الأفضل في جيله على مستوى العالم؟
نعم، حسب أغلب التقييمات. بعد فوزه بجائزة كوبا تروفي 2024، وتجاوزه أرقامًا تاريخية مع برشلونة، يُصنّفه الاتحاد الأوروبي لكرة القدم كأفضل لاعب تحت 17 عامًا في أوروبا. مقارنة بمنافسيه مثل أرودا أو فابيو كارفاليو، يتفوق يامال في التأثير على المباراة، وليس فقط في الأرقام. حتى فريق ريال مدريد يراقبه بقلق، لكنه لا يملك نموذجًا يُمكنه تقليده.
ما تأثير يامال على سوق الانتقالات؟
حتى قبل أن يُكمل 17 عامًا، تلقى عروضًا من مانشستر سيتي وبايرن ميونخ بقيمة تتجاوز 120 مليون يورو. لكن برشلونة رفضت جميعها، وتعهدت بعقد جديد يُحصن ملكيته حتى 2030. هذا يُغيّر قواعد اللعبة:不再是 النادي الكبير هو من يشتري المواهب، بل من يُنتجها ويحتفظ بها. يامال أصبح رمزًا لاستراتيجية "البناء الداخلي"، وليس "الشراء".