في خطوة لم يسبق لها مثيل، تجاوز عدد المستخدمين النشطين شهريًا لتطبيق ChatGPT في كوريا الجنوبية عتبة الـ20 مليون مستخدم في أغسطس 2025، ليصل إلى 20.31 مليون مستخدم، وفقًا لبيانات نشرتها شركة الأبحاث Wiseapp·Retail في 2 سبتمبر 2025. الرقم ليس مجرد رقم — إنه انعكاس لتحول جوهري في ثقافة الاستهلاك التكنولوجي، حيث أصبح الذكاء الاصطناعي لا يُستخدم كأداة ترفيهية، بل كشريك يومي في العمل، الدراسة، وحتى الترفيه الشخصي.
التحول السريع: من 4 ملايين إلى 20 مليونًا في سنة واحدة
قبل عام فقط، في أغسطس 2024، كان عدد مستخدمي ChatGPT في كوريا الجنوبية لا يتجاوز 4.07 مليونًا. الآن، تضاعف العدد خمس مرات. ما الذي تغير؟ ليس فقط تحسنًا في التكنولوجيا، بل تغييرًا في السلوك. المستخدمون لم يعودوا يبحثون عن إجابات — بل يطلبون مساعدة في كتابة رسائل عمل، ترجمة عقود، توليد خطط دراسية، وحتى كتابة قصائد حب. هنا، الذكاء الاصطناعي لم يعد خيارًا — بل أصبح ضرورة.
البيانات تقول إن 40% من مستخدمي الهواتف الذكية في كوريا الجنوبية — أي حوالي 20.31 مليونًا من أصل 51.2 مليون — يستخدمون ChatGPT شهريًا. هذا الرقم يفوق أي دولة أوروبية تقريبًا، ويقترب من مستوى الولايات المتحدة، التي استغرقت 24 عامًا للوصول إلى نسبة اعتماد مشابهة (9.2% في الربع الثاني من 2025، وفقًا لمكتب الإحصاء الأمريكي).
الجمهور الحقيقي: شباب ووسط العمر لا ينفصلون عن الذكاء الاصطناعي
الجنسان متساويان تقريبًا: 50.1% من المستخدمين ذكور، و49.9% إناث. لكن الفرق الحقيقي يكمن في العمر. 70% من المستخدمين تتراوح أعمارهم بين 20 و40 عامًا — أي أن جيل الألفية وجيل Z هم القوة الدافعة. من يكتبون العروض التقديمية؟ من يترجمون الوثائق؟ من يخططون لرحلاتهم باستخدام الذكاء الاصطناعي؟ هم نفس الأشخاص الذين يدفعون مقابل تطبيقات التنجيم بالذكاء الاصطناعي التي جنت 4.7 مليار وون (حوالي 3.5 مليون دولار) في ستة أشهر فقط.
هذا ليس ترفيهًا. هذا استثمار. ففي كوريا، لا يُنظر إلى الذكاء الاصطناعي كتكنولوجيا مستقبلية — بل كأداة حالية لتحسين الإنتاجية. حتى المتقاعدون (5.2% من المستخدمين) يبدأون بالتعلم، لكنهم لا يشكلون المحرك الرئيسي. المحرك هو الموظف البالغ من العمر 32 عامًا الذي يُنهي تقريره قبل الإفطار، أو الطالبة التي تستخدمه لفهم مفاهيم الفيزياء المعقدة.
الحكومة تُقَدِّم 115 مليار دولار.. لماذا؟
الحكومة الكورية الجنوبية لا تراقب التغيير فقط — بل تبني عليه. في أكتوبر 2025، كشفت وثيقة "خطة كوريا الجنوبية الاقتصادية للذكاء الاصطناعي" عن استثمار حكومي ضخم: 150 تريليون وون (ما يقارب 115 مليار دولار أمريكي) على مدى خمس سنوات، عبر شراكات بين القطاعين العام والخاص. الهدف؟ جعل كوريا الجنوبية قلبًا نابضًا للذكاء الاصطناعي في آسيا.
واحد من أهم أعمدة هذه الخطة: الرعاية الصحية. السوق المحلي للذكاء الاصطناعي في الرعاية الصحية سيصل إلى 6.67 مليار دولار بحلول عام 2030، من 377 مليونًا فقط في 2023 — أي نمو سنوي متوسط قدره 50.8%. لماذا هذا الرقم الهائل؟ لأن كوريا لديها نظام صحي مركزي، وسجلات طبية إلكترونية متطورة، وسكان يزدادون شيخوخة: 24.4% من السكان بحلول 2024 هم فوق 65 عامًا. الذكاء الاصطناعي ليس رفاهية هنا — بل هو وسيلة لإنقاذ النظام الصحي من الانهيار.
الابتكار المحلي يتنافس مع العملاق الأمريكي
رغم هيمنة ChatGPT، إلا أن السوق الكوري ليس خاليًا من المنافسين المحليين. تطبيقات مثل "سونغ جينغ" (الذكاء الاصطناعي المخصص للتنجيم) و"كاي-بوت" (مساعد قانوني) و"هان-راي" (مساعد طبي) تحقق أرباحًا ضخمة. في اليابان، تضاعفت مبيعات تطبيق Plaud للتسجيل الصوتي 21 مرة. كوريا الجنوبية لا تتبع النموذج الأمريكي فقط — بل تُعيد تشكيله.
في 14 نوفمبر 2025، أطلقت OpenAI ميزة "المجموعات" التجريبية في كوريا، اليابان، نيوزيلندا وتايوان. هذه الميزة ليست مجرد تحديث تقني — بل خطوة استراتيجية لتعزيز التفاعل الاجتماعي للذكاء الاصطناعي، وهو ما يتوافق تمامًا مع ثقافة كوريا، حيث يُقدَّر التعاون والمشاركة في العمل.
ما الذي ينتظرنا؟
الذكاء الاصطناعي لم يعد حديثًا عن المستقبل. إنه حاضر يُعيد تشكيل وظائف، تعليم، رعاية صحية، وحتى العلاقات الإنسانية. كوريا الجنوبية تُظهر أن التبني السريع لا يأتي من خلال الإعلانات، بل من خلال الحاجة الحقيقية. عندما يُصبح الذكاء الاصطناعي أسرع من الذهاب إلى الطبيب، وأدق من البحث في جوجل، وأسهل من كتابة رسالة بريدية — فلن يعود أحد يتخلى عنه.
التحدي القادم؟ التأكد من أن هذا التحول لا يُعمّق الفجوة الرقمية. هل يُمكن للمسنين الذين لا يجيدون التكنولوجيا أن يستفيدوا؟ هل تُحمي الخصوصية؟ هل تُحترم الأخلاقيات؟ هذه الأسئلة لم تُحل بعد. لكن كوريا الجنوبية، على الأقل، تعرف أن الإجابة لا يمكن أن تنتظر.
أسئلة شائعة
كيف أثر ارتفاع استخدام ChatGPT على سوق العمل في كوريا الجنوبية؟
أظهرت دراسات حديثة أن 68% من الموظفين في قطاعات الخدمات والتعليم والطب يستخدمون ChatGPT يوميًا لتحسين الإنتاجية. بعض الوظائف، مثل كتابة التقارير أو ترجمة المستندات، تراجعت حاجتها، لكن وظائف جديدة نشأت مثل "مُدقق الذكاء الاصطناعي" و"مصمم محادثات AI"، حيث يُطلب من الموظفين تدريب النماذج على السياقات المحلية. التحول لا يُزيل الوظائف — بل يُعيد تعريفها.
لماذا يُعدّ جيل 20-40 هو المحرك الأساسي لاستخدام الذكاء الاصطناعي؟
هذا الجيل نشأ مع الإنترنت، لكنه عاش أزمة وظيفية حادة بعد جائحة كوفيد، مما جعله يبحث عن أدوات تُسرّع التقدم. كما أنهم الأكثر تقبّلًا للدفع مقابل خدمات رقمية محسّنة — مثل تطبيقات التنجيم بالذكاء الاصطناعي التي جنت 3.5 مليون دولار في ستة أشهر. هم ليسوا مستهلكين عاديين — بل مُبتكرون صغار يُغيّرون السوق من الداخل.
ما الفرق بين اعتماد الذكاء الاصطناعي في كوريا الجنوبية والولايات المتحدة؟
في الولايات المتحدة، الاعتماد مبني على التكنولوجيا والابتكار، لكنه متباعد اجتماعيًا. في كوريا، الاعتماد مبني على الحاجة: نظام صحي مرهق، وتعليم مكثف، وضغط اجتماعي عالٍ. النتيجة؟ كوريا وصلت إلى 9.2% اعتماد في 3 سنوات، بينما استغرقت الولايات المتحدة 24 عامًا للوصول لنفس النسبة. هنا، الذكاء الاصطناعي ليس اختيارًا — بل ضرورة بقاء.
ما تأثير الذكاء الاصطناعي على الرعاية الصحية في كوريا الجنوبية؟
70.6% من المرضى راضون عن الخدمات الطبية المدعومة بالذكاء الاصطناعي، و81.9% يعتقدون أنها ستُحسّن نتائج صحتهم. تُستخدم الخوارزميات لتحليل صور الأشعة، التنبؤ بتفاقم الأمراض المزمنة، وحتى تخصيص مواعيد الأطباء. مع توقع أن يصبح 24.4% من السكان فوق 65 عامًا، فإن هذه الأنظمة تُقلل الضغط على المستشفيات وتُقلل أوقات الانتظار من أسابيع إلى ساعات.
هل تُهدد التطبيقات المحلية ChatGPT في كوريا الجنوبية؟
لا تُهددها، بل تُكملها. ChatGPT يُستخدم للأسئلة العامة، لكن التطبيقات المحلية مثل "هان-راي" للطب أو "كاي-بوت" للقانون تتفوق في التخصص. المستخدمون يتبادلون بينهم حسب الحاجة. هذا النموذج المختلط — عالمي + محلي — هو ما يجعل السوق الكوري فريدًا. لا أحد يُريد بديلاً واحدًا — بل مجموعة أدوات دقيقة.
ما الذي سيحدث إذا توقفت خدمات ChatGPT فجأة في كوريا؟
التأثير سيكون كارثيًا على مستوى الصغرى. الشركات الصغيرة ستفقد ساعات عمل يومية، والطلاب سيواجهون صعوبات في الدراسة، والمستشفيات ستعود إلى أسلوب العمل اليدوي. لا يوجد بديل فوري يمتلك نفس السعة أو الدقة. هذا يُظهر أن الاعتماد على ChatGPT لم يعد ترفيهيًا — بل أصبح بنية تحتية رقمية، مثل الكهرباء أو الإنترنت.
قد يعجبك
