الولايات المتحدة تُقدّم دعماً أمنياً لمالي مقابل الوصول إلى معادنها الحيوية في ظل حصار وقود من جماعة جند الإسلام

الولايات المتحدة تُقدّم دعماً أمنياً لمالي مقابل الوصول إلى معادنها الحيوية في ظل حصار وقود من جماعة جند الإسلام

في يوليو 2025، جرت في باماكو لقاءات سرية وعالية المستوى بين مسؤولين أمريكيين وقادة ماليين عسكريين، في خطوة تُعدّ أول تواصل رسمي من نوعه منذ أربع سنوات، وتُشير إلى تحول استراتيجي في سياسة واشنطن تجاه الساحل. لم يكن الهدف الوحيد هو مكافحة الإرهاب، بل كان هناك شيء أعمق: المعادن الحيوية. ففي ظل حصار وقود مُدبر من قبل جماعة جند الإسلام، الذي شلّ حركة المدينة ورفع أسعار البنزين إلى ثلاثة أضعاف، بدأت الولايات المتحدة تُعيد تقييم علاقاتها مع الحكومة العسكرية بقيادة العقيد أسيمي غويتا — ليس فقط كحليف محتمل ضد الإرهاب، بل كشريك في سباق عالمي على الموارد.

الحصار الذي شلّ العاصمة

منذ أوائل 2025، توقفت شاحنات الوقود عن الدخول إلى باماكو. لم يكن هذا بسبب نقص في الإمدادات، بل بسبب تكتيك دقيق من جند الإسلام. فبدلاً من مهاجمة القواعد العسكرية، استهدفوا البنية التحتية اللوجستية: الطرق، محطات التوزيع، وحتى السائقين. النتيجة؟ مدارس أُغلقت، ومستشفيات أُوقفت عن العمل، وصانعو الخبز لم يعودوا قادرين على تشغيل أفرانهم. وصلت أسعار البنزين إلى 1,200 فرنك أفريقي للتر — أكثر من ضعف السعر قبل الحصار. حتى أن بعض الأسر باتت تستخدم الديزل لتشغيل مولدات الكهرباء، لأن الكهرباء انقطعت لأكثر من 12 ساعة يومياً في أحيان كثيرة.

الزيارة التي غيرت القواعد

رودي أتالاه، نائب المدير الأعلى لمكافحة الإرهاب في مجلس الأمن القومي الأمريكي، وويليام ستيفنز، نائب مساعد وزير الخارجية لغرب إفريقيا، وصلا إلى باماكو في مواعيد منفصلة خلال الأسبوع الثاني من يوليو 2025. لم تُعلن الزيارات رسمياً، لكن مصادر دبلوماسية أكدت أن المحادثات استمرت أكثر من 8 ساعات يومياً. استقبلهما وزير الخارجية المالي عبد الله ديوب، الذي كتب لاحقاً على منصة X: "ناقشنا مكافحة الجماعات الإرهابية المدعومة من دول أجنبية، وآفاق التعاون الاقتصادي، خاصة الاستثمار الأمريكي في مالي، بفضل تحسن مناخ الأعمال".

لكن ما لم يُذكر علناً، وفق مصادر مطلعة، هو أن الجانب الأمريكي عرض دعماً عسكرياً ملموساً: تدريبات مشتركة، معدات استخباراتية، وربما حتى أسلحة محدودة — مقابل وعود بفتح مناجم الذهب والليثيوم في جنوب مالي أمام شركات أمريكية. هذه ليست أول مرة تُطرح فيها مثل هذه الصفقة، لكنها المرة الأولى التي تُطرح فيها بصراحة من قبل مسؤولين رفيعي المستوى.

لماذا الآن؟ ولماذا مالي؟

قبل عامين، كان الأمريكيون يُخرجون قواتهم من النيجر بعد أن أُجبروا على التخلي عن قاعدة جوية بقيمة 100 مليون دولار. كان ذلك نتيجة انقلاب عسكري في النيجر، ورفض الحكومة الجديدة التعاون مع واشنطن. لكن الساحل لم يتوقف عن كونه بؤرة إرهابية. اليوم، يُشكل هذا الإقليم أكثر من نصف حالات الوفيات الناتجة عن الإرهاب في العالم، وفق تقارير الأمم المتحدة. وجند الإسلام، الذي يرتبط بتنظيم القاعدة، يسيطر على مساحات شاسعة في مالي والنيجر وبوركينا فاسو.

الآن، مع انسحاب فرنسا من مالي عام 2022، وانهيار قوة "تاكوبا" الأوروبية، وفشل مجموعة "واغنر" الروسية في تحقيق أي تقدم حقيقي، باتت واشنطن ترى فرصة. "الولايات المتحدة لا تملك قوات كافية للاستقرار في الساحل، لكنها تملك مهارات استخباراتية وتقنية لا تضاهى،" يقول أولف لاسينغ، رئيس برنامج كونراد أديناور في الساحل. "إذا عرضت هذه المهارات مقابل المعادن، فهذا ليس استغلالاً، بل توازناً استراتيجياً. فالمالين يبحثون عن حليف، وليس عن مستعمر."

التحول من إدارة بايدن إلى إدارة ترامب

تحت إدارة بايدن، كانت واشنطن تتجنب أي تعاون عسكري مباشر مع الحكومات العسكرية في الساحل، خشية انتهاك القوانين الأمريكية التي تحظر تقديم الدعم العسكري للأنظمة التي تصل للسلطة عبر الانقلابات. لكن مع تغيّر الإدارة الأمريكية في نوفمبر 2024، تغيرت القواعد. "الإدارة الجديدة تنظر إلى الأمن على أنه أداة دبلوماسية، وليس كقيمة أخلاقية مطلقة،" تقول سارة هاريسون، المحللة في مجموعة الأزمات الدولية. "الآن، مالي ونيجر وبوركينا فاسو تطلب أسلحة. والولايات المتحدة تملك أسلحة. والسؤال الوحيد: ما الذي تُقدمه مقابلها؟"

الليثيوم، على سبيل المثال، هو معدن أساسي في بطاريات السيارات الكهربائية. وتشير التقديرات إلى أن مالي تمتلك احتياطيات تقدر بـ 1.2 مليون طن — أكثر من كندا، وأقل من أستراليا، لكنها الأسهل للتعدين بسبب قربها من السطح. أما الذهب، فما زال يُعدّ حجر الأساس لاقتصاد مالي، حيث يُصدر 80% من صادراته. وقد زاد إنتاجه بنسبة 17% منذ 2023، رغم الحصار.

التأثير الإقليمي: هل تُعيد واشنطن تشكيل خريطة الساحل؟

التأثير الإقليمي: هل تُعيد واشنطن تشكيل خريطة الساحل؟

إذا نجحت هذه الصفقة، فقد تُعيد تشكيل التحالفات في الساحل. ففي يناير 2025، أعلنت مالي والنيجر وبوركينا فاسو عن تشكيل قوة عسكرية مشتركة بقوة 5,000 جندي، تُعرف باسم "تحالف دول الساحل". هذه القوة ترفض أي تدخل أجنبي، لكنها لا ترفض الدعم المادي. فهل ستُصبح هذه القوة مُستقبلية مُحوراً جديداً في التحالفات، يربط بين واشنطن والحكومات العسكرية، في مقابل الموارد؟

الصين تراقب. روسيا تُعيد ترتيب أوراقها. فرنسا تُقلّص وجودها إلى حدودها. وحتى الاتحاد الأوروبي، الذي كان يُموّل برامج تنموية في مالي، أوقف مساعداته في 2023. في هذه الفراغ، تبرز واشنطن ليس كمنقذ، بل كمستثمر استراتيجي. فالأمر لا يدور فقط حول مكافحة الإرهاب، بل حول من يسيطر على مستقبل الطاقة والموارد في إفريقيا.

ما الذي سيحدث بعد ذلك؟

المصادر الدبلوماسية تشير إلى أن لقاءات أخرى مقررة في سبتمبر 2025، هذه المرة في واشنطن، مع مشاركة مسؤولين من وزارة الطاقة الأمريكية وشركات مثل "أنتورا مينينغ" و"تيكسترون سيسستمز". كما يُتوقع أن تُقدّم الولايات المتحدة مساعدات لوجستية لتعزيز أمن مناجم الذهب في منطقة كيدال وكرسي، حيث تنشط الجماعات المسلحة.

لكن المخاطر كبيرة. فالمجتمع المدني المالي يخشى أن تتحول البلاد إلى "قاعدة استخراجية"، تُستغل فيها الموارد وتُهمل حقوق الإنسان. ورغم أن الحكومة تقول إنها ستُطبق معايير الاستدامة، إلا أن السجل السابق للحكومات العسكرية في مالي لا يُعطي ثقة كبيرة.

الأسئلة الشائعة

كيف يؤثر حصار الوقود على الحياة اليومية في باماكو؟

الحصار أدى إلى انقطاع الكهرباء لأكثر من 12 ساعة يومياً، وارتفاع أسعار البنزين إلى ثلاثة أضعاف، مما شلّ النقل العام وجعل المستشفيات تُغلق أجهزتها الطبية. حتى صناعة الخبز توقفت في أحياء كاملة، مما دفع الناس لشراء الخبز من مصادر غير رسمية بأسعار مبالغ فيها. وتشير تقارير منظمة الصحة العالمية إلى زيادة بنسبة 22% في حالات الأمراض المرتبطة بالحرارة والجوع.

لماذا تختار الولايات المتحدة مالي الآن وليس غيرها؟

مالي تمتلك أكبر احتياطيات من الليثيوم في غرب إفريقيا، وثاني أكبر احتياطيات ذهب بعد جنوب إفريقيا. كما أن الحكومة العسكرية الحاكمة تُظهر استعداداً غير مسبوق لفتح القطاع التعديني أمام الشركات الأجنبية، في مقابل دعم أمني. في المقابل، النيجر وبوركينا فاسو تواجهان صعوبات سياسية أكبر، بينما مالي باتت الأكثر استقراراً نسبياً منذ الانقلاب.

ما الفرق بين الدعم الأمريكي الحالي ودعم فرنسا السابق؟

فرنسا كانت تقدم دعماً عسكرياً واسعاً لكنه مرتبط بمشاريع تنموية ومساعدات إنسانية. أما الولايات المتحدة فتركز فقط على الأمن والاستخبارات والموارد. لا توجد مشاريع بنية تحتية أو مدارس أو مستشفيات في العرض الأمريكي. هذا يجعل الدعم أسرع وأقل تعقيداً، لكنه أيضاً أقل استدامة على المدى الطويل.

هل يمكن أن تتحول مالي إلى قاعدة أمريكية جديدة؟

لا توجد خطط حالية لإنشاء قواعد عسكرية أمريكية دائمة في مالي. لكن هناك تقارير عن إنشاء مراكز استخباراتية مشتركة في باماكو وسِيغو. هذه المراكز ستُدار من قبل فرق أمريكية مدنية وعسكرية، وستُستخدم لتحليل البيانات من الطائرات بدون طيار، لكنها لن تُستخدم كنقاط إطلاق للهجمات. هذا يُقلل من التوتر مع السكان المحليين.

ما تأثير هذه الصفقة على روسيا والصين؟

روسيا خسرت نفوذها في مالي بعد فشل مجموعة "واغنر" في القضاء على جند الإسلام، بينما الصين تركز على استثمارات البنية التحتية، وليس على الأمن. هذه الصفقة الأمريكية تُضعف كلا الطرفين، لأنها تقدم حلاً عملياً للحكومة الماليّة: أمن فوري مقابل موارد. الصين قد تُعيد التفكير في استثماراتها، وروسيا قد تبحث عن شراكات جديدة في تشاد أو السودان.

هل هذه الصفقة قانونية من منظور حقوق الإنسان؟

القانون الأمريكي يحظر تقديم الدعم العسكري للحكومات التي تصل للسلطة عبر الانقلابات، لكن هناك استثناءات للأمن القومي. الإدارة الأمريكية تبرر هذا التحول بأن مالي تُقاتل إرهاباً يهدد أمن أوروبا وأمريكا، وأن تعاونها يُقلل من انتشار التطرف. لكن منظمات حقوقية مثل هيومن رايتس ووتش تحذر من أن هذا يُرسخ نموذجاً خطيراً: "الإرهاب يُستخدم كذريعة لدعم أنظمة استبدادية".

5 التعليقات
  • Nefertiti Yusah
    Nefertiti Yusah

    هذا ليس دعماً، هذا استعمار ببدلة رسمية. يأتون بطائرات بدون طيار ويطلبون الليثيوم، وكأننا نبيع كيلو من السكر مقابل خبز. الشعب المالي يعاني من الجوع، وهم يخططون لبناء مصانع بطاريات على دموعنا.

  • Ali al Hamidi
    Ali al Hamidi

    في زمن كانت فيه فرنسا تُعلّم الأطفال الفرنسية، الآن أمريكا تُعلّمهم كيف يُحمّلون بطاريات السيارات الكهربائية. نحن نعيش في عالم لم يعد فيه الحليف هو من يُنقذ، بل من يُشتري. مالي ليست سوقاً، هي مخزون استراتيجي. ونحن نشاهد، صامتين، وكأننا لسنا جزءاً من نفس القارة.

  • إكرام جلال
    إكرام جلال

    يا جماعة خلينا نكون صريحين، الحصار ده مش بس وقود، ده حرب اقتصادية مُنظمة. بس ايه اللي يخلي أمريكا تتدخل دلوقتي؟ علشان الذهب؟ الليثيوم؟ ولا علشان إنها عايزة تضمن إنها مش تبقى وحدها في سباق الموارد؟ أنا بقول لكم، لو كان في دولة عربية عندها الليثيوم، كانت أمريكا جاية بجيش وعايزه تبني مطار. مالي مش مصادفة، ده تخطيط.


    بس خلينا نعترف، الحكومة الماليه مش نظيفة، بس بسّت من روسيا وفرانسا، وده كفاية. لو حصلت على أمن، حتى لو بثمن، خير من ما نكون في جحيم.


    بس والله لو اتعرضوا لشعب مالي كأنه حطاط، هنخسر كل حاجة. الموارد مش ملكهم، هي ملك الشعب. ومش مسموح تتحول مالي لقاعدة تعدين.

  • mahmoud fathalla
    mahmoud fathalla

    أنا بقول لكم، لو أمريكا تقدر توقف الحصار وتدعم المدارس والمستشفيات، يبقى ده خير، حتى لو جابوا بطاريات! مش كل حاجة تكون شر! أحسن من روسيا اللي بتدمر وتخلي الناس تموت من البرد والجوع!


    الليثيوم؟ طيب، نحن مش بس نبيعه، نحن بنطور صناعة محلية بعدين! هنبدأ نصنع بطارياتنا نحن! هنبقى أذكى منهم!


    بس ياريت يسيبوا الوعود، ويشوفوا إنو الناس مش مجرد أرقام في مخططات!

  • Nouria Coulibaly
    Nouria Coulibaly

    الله يحمي مالي! لو أمريكا تقدر ترجع الكهرباء والبنزين، فخليها تجيب الليثيوم كله! نحن مش ضد التقدم، نحن ضد الاستغلال! بس خليهم يبدأوا ببناء مستشفى واحد قبل ما يبدأوا بحفر منجم!

أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول المطلوبة محددة*