تسونامي الإرهاب يخنق الساحل الأفريقي: من مالي وبوركينا فاسو إلى السواحل

تسونامي الإرهاب يخنق الساحل الأفريقي: من مالي وبوركينا فاسو إلى السواحل

بينما كانت العاصمة باماكو تستعد لاستقبال قمة تاريخية، كانت قنابل مفخخة وغارات جوية تُدمر قواعد عسكرية على بعد مئات الكيلومترات — الإرهاب لم يعد تهديدًا محليًا، بل موجة مدمرة تجتاح الساحل الأفريقي من الصحراء إلى السواحل. بين مايو ويوليو 2025، شهدت مالي وبوركينا فاسو أعنف الهجمات منذ عقد، مع مقتل أكثر من 400 جندي في سلسلة هجمات منسقة، بينما يُجبر أكثر من 2.1 مليون شخص في بوركينا فاسو وحدها على الفرار من منازلهم. هذا ليس صراعًا على أرض، بل انهيارٌ للدولة، وتحولٌ جيوسياسي عميق في قلب أفريقيا.

موجة من الدم: هجمات منسقة تعيد رسم خريطة الأمن في الساحل

في 11 مايو 2025، اقتحم مسلحون من جماعة نصرة الإسلام والمسلمين قاعدة عسكرية في مدينة جيبو ببوركينا فاسو، وقتلوا ما يقرب من 200 جندي — وهو أعنف هجوم فردي في تاريخ البلاد. وفي نفس اليوم، هاجموا ثمانية مواقع أخرى، بينها سوليه، حيث سقط 60 جنديًا. لم تكن هذه هجمات عشوائية، بل عمليات مُخطَّط لها بعناية: نفس التكتيكات، نفس الأسلحة، نفس الأهداف. في 1 يونيو، انتقلت الموجة إلى مالي، حيث دمرت الجماعة قاعدة بولكسي القريبة من الحدود، وقتلوا 60 من أفراد الأمن. ثم في 2 يونيو، شنوا هجومًا مزدوجًا على قواعد في تمبكتو، من بينها موقع يضم جنودًا روسًا — إشارة واضحة إلى تداخل التحالفات.

لكن دولة الإسلامية في الساحل لم تكن مكتوفة الأيدي. في مايو، امتدت هجماتها إلى منطقة دوسو في النيجر — لأول مرة في جنوب البلاد — ثم استهدفت إكنوان وبنيبانغو، حيث قتلوا 34 جنديًا. وفي تيسيت بمالي، سقط 42 جنديًا في هجوم استخدم فيه درونات مُعدّلة وعبوات ناسفة متطورة. هذه ليست حرب عصابات تقليدية. هذه حرب تكنولوجية، تُدار من خلايا متنقلة، وتُموَّل من شبكات تجارية ضخمة.

الإنسان أول ضحية: 2.8 مليون نازح ومجتمعات تنهار

وراء كل رصاصة، هناك إنسان. أكثر من 2.8 مليون شخص نُزحوا في منطقة الساحل منذ 2020، وفق تقارير الأمم المتحدة. في بوركينا فاسو، حيث تعيش 21 مليون نسمة، يُشكل النازحون الآن ربع السكان تقريبًا. المدارس مغلقة، والمستشفيات خالية، والأسواق مهجورة. في قرى شمال مالي، لم يُسمع صوت المطر منذ أشهر — لكن صوت القنابل يُسمع كل يوم. أمهات يُخبئن أطفالهن في الكهوف، وشباب يُجبرون على الانضمام للجماعات من أجل الطعام، لا من أجل الإيمان.

الخبير في الشؤون الإرهابية منير عبّد يوضح في مقابلة مع الاتحاد: "لديهم اقتصاد موازٍ. يفرضون ضرائب على تجارة الملح، ويعملون كوسطاء في تهريب المخدرات، ويستولون على أراضٍ زراعية لبيع المحاصيل في الأسواق السوداء. هذا ليس إرهابًا دينيًا فقط — إنه مشروع دولة إجرامية تُدار بالسلاح".

تحالف الساحل: عندما يتحول الحليف إلى عبء

في يوليو 2024، أعلن الجيش في مالي وبوركينا فاسو والنيجر تشكيل تحالف دول الساحل، وطردوا الشركاء الغربيين — فرنسا، والولايات المتحدة — واستبدلوهم بـ مجموعة فاغنر الروسية. كان الهدف: السيادة. لكن النتيجة؟ تراجع في التنسيق، وازدياد في الفساد، وانهيار في الاستخبارات المشتركة. لم يُقتل مسلح واحد أكثر من قبل، بل على العكس: تضاعفت الهجمات.

النيجر، التي استضافت القمة الأولى في نيامي، تطالب الآن بـ "استمرارية مؤسسية". بوركينا فاسو، التي تدفع ثمن الأعنف، تريد توحيد القوات. مالي، التي تُحاصر عاصمتها باماكو منذ سبتمبر 2024، تُطالب بدعم اقتصادي عاجل. الجميع يتحدث، لكن لا أحد يتحرك بسرعة كافية. حتى الآن، لم يُنتج التحالف أي تقدم ميداني — بل فقط بيانات صحفية.

الساحل يُهدد السواحل: من باماكو إلى أكرا

الساحل يُهدد السواحل: من باماكو إلى أكرا

الخطر لم يقف عند حدود الصحراء. في كوت ديفوار، أطلق رئيس الوزراء السابق باتريك أشي برنامجًا في يناير 2022 لاستقطاب 23 ألف شاب من المناطق الحدودية، وقدم لهم تدريبًا مهنيًا بدلًا من السلاح. النتيجة؟ انخفاض بنسبة 40% في حالات التجنيد من قبل الجماعات المتطرفة. لكن هذا لا يكفي. في منطقة ليبتاكو-غورما — التي تتقاسمها الدول الثلاث — أصبحت كل قرية نقطة تفتيش، وكل شاحنة مُشتبه بها. وفي غانا وتوغو، أُقيمت قواعد عسكرية جديدة، لكنها تفتقر إلى الموارد والتدريب.

القلق الأكبر؟ أن تصبح السواحل، التي كانت ملاذًا آمنًا، ساحة حرب جديدة. في بنين، تزايدت حالات الاختطاف بنسبة 180% خلال 2024. في توجو، توقفت مشاريع السياحة. في غانا، تراجعت الاستثمارات الأجنبية بنسبة 35% منذ 2023. هذا ليس صراعًا عسكريًا فقط — إنه أزمة اقتصادية تهدد نموّ كامل منطقة غرب أفريقيا.

قمة باماكو: هل ستكون نقطة التحول أم مجرد تصريحات؟

في 22-23 ديسمبر 2025، ستستضيف باماكو القمة الثانية لتحالف دول الساحل. أول قمة في نيامي كانت تُركز على التصريحات. هذه القمة يجب أن تكون مختلفة. المطلوب ليس مجرد اتفاق على "التعاون الأمني"، بل تشكيل قيادة عسكرية مشتركة، وآلية لتمويل العمليات، ودعم إنساني عاجل للنازحين. لكن الأسئلة تبقى: هل ستُسمح لـ باماكو بالسيطرة على جدول الأعمال؟ هل ستُحظر مشاركة فاغنر؟ هل سيُطلب من الدول المانحة (الصين، روسيا، الإمارات) تمويل مشاريع بديلة؟

المراقبون يقولون: إذا فشلت هذه القمة، فسيكون الساحل على حافة الانهيار الكامل. وإذا نجحت؟ فقد تُعيد رسم خريطة الأمن الأفريقي، وتُصبح نموذجًا لـ "التعاون الجنوبي-جنوبي" بعيدًا عن الغرب. لكن الوقت ينفد. كل يوم، تُضاف قرية جديدة إلى قائمة المدن التي لم يُسمع فيها صوت المدرسة منذ أشهر.

أسئلة شائعة

كيف تؤثر أزمة الإرهاب على الاقتصاد في دول الساحل؟

الإرهاب يُدمّر الاقتصاد من الداخل: توقف التجارة عبر الحدود، وانهيار السياحة، وانسحاب الاستثمارات. في بوركينا فاسو، انخفض الناتج المحلي بنسبة 7.3% في 2024، بينما تضاعفت تكاليف الأمن ثلاث مرات. المزارعون لا يزرعون خارج قراهم، والتجار لا ينقلون بضائعهم، والبنوك تُغلق فروعها في المناطق الشمالية. هذا ليس تراجعًا اقتصاديًا — إنه تفكك اجتماعي.

لماذا فشل تحالف دول الساحل في وقف الإرهاب رغم دعم روسيا؟

الدعم العسكري الروسي لا يُعادل القدرة على الاستخبارات أو التدريب أو إدارة الموارد. مجموعة فاغنر تركز على العمليات القتالية المباشرة، لكنها لا تبني أنظمة استخباراتية، ولا تُدرّب الضباط المحليين، ولا تُعيد بناء المؤسسات. النتيجة؟ هجمات عنيفة لكنها قصيرة الأجل، بينما تنمو الجماعات المتطرفة في الظل، وتُعيد تشكيل نفسها في المناطق التي تخلّت عنها القوات.

ما الذي يمنع الإرهاب من الانتشار إلى غانا وساحل العاج؟

الحدود غير مُحصنة، والمجتمعات الحدودية فقيرة، والشباب مُهمَل. حتى مع وجود قواعد عسكرية، لا تملك هذه الدول كفاءات كافية للرصد أو التدخل السريع. في كوت ديفوار، 70% من المجندين الجدد في الجماعات المتطرفة يأتون من المناطق الحدودية التي لم تصلها مشاريع التنمية. الحل ليس فقط بالأسلحة، بل بالتعليم والوظائف.

هل هناك احتمال لقيام دولة إسلامية في مالي؟

الخبراء يحذرون من هذا السيناريو. إذا سقطت باماكو أو توقفت الحكومة عن العمل، فستصبح مالي أول دولة في أفريقيا تُحكم بالكامل من قبل جماعة إرهابية مرتبطة بـ جماعة نصرة الإسلام والمسلمين. هذا لن يكون مجرد تمرد — بل نموذجًا يُقلّده الآخرون. النيجر وبوركينا فاسو ستصبحان تابعتين، والتهديد سيصل إلى السنغال ونيجيريا.

ما دور المجتمع الدولي في هذه الأزمة؟

الغرب تراجع، والصين وروسيا تقدمان مصالحهما. الأمم المتحدة تقدم مساعدات إنسانية، لكنها لا تملك سلطة عسكرية. الدول العربية تُرسل مساعدات رمزية، لكنها لا تشارك في التخطيط الاستراتيجي. الحل الحقيقي يتطلب تحالفًا جديدًا: مالي ونيجيريا والسنغال مع الاتحاد الأوروبي، لكن بشرط أن يكون الدعم مشروطًا بالإصلاحات، وليس فقط بالأسلحة.

ما الذي يمكن للمواطن العادي فعله لدعم المنطقة؟

لا يمكن للمواطن العادي أن يُرسل جنودًا، لكنه يمكن أن يضغط على حكومته لدعم برامج التعليم والتنمية في الساحل. التبرعات للمنظمات التي تُعيد بناء المدارس، أو تُموّل مشاريع زراعية في المناطق النازحة، أو تُدرّب الشباب على المهارات — هذه هي الأسلحة الحقيقية التي تُنهي الإرهاب. السلاح يقتل المقاتلين، لكن التعليم يمنع من يصبحوا مقاتلين.

5 التعليقات
  • Nefertiti Yusah
    Nefertiti Yusah

    ما هذا اللي بيحصل؟ كل يوم تسمع خبر قتل ونزوح، ويا رب ما نكون نسمع صوت المدرسة مرة ثانية. الأمهات يخبّين أطفالهن في الكهوف، والشباب ينضموا للجماعات علشان ياكلوا... هذا مش إرهاب، ده إبادة جماعية بطيئة، والعالم نايم.

  • Ali al Hamidi
    Ali al Hamidi

    الوضع كارثي، لكنه ليس جديدًا. منذ عقد، نحن نرى كيف تُستغل الفقر والهشاشة لبناء إمبراطوريات إجرامية تحت شعار الدين. فاغنر لا تحل المشكلة، بل تُعمّقها - لأنها لا تبني، فقط تُدمر وتُسيطر. الحل ليس بالأسلحة، بل بالمؤسسات: مدارس، محاكم، بنوك، ووظائف. بدون ذلك، أي هزيمة عسكرية ستكون مؤقتة.

  • إكرام جلال
    إكرام جلال

    يا جماعة خلينا نقول الحقيقة: دول الساحل مش محتاجة قمة، محتاجة فلوس وتدريب حقيقي. قاعدة عسكرية بدون اتصالات؟ بس تبقى هدف سهل. جندي بدون راتب؟ ينضم للجماعة علشان يأكل. مش مسألة إيمان، مسألة بطن. واللي بيحكي عن 'التعاون الجنوبي-جنوبي' يلا يبدأ من نفسه، يدفع لمنظمة تبني مدرسة في تimbuktu بدل ما يكتب بوستات على تويتر.

  • mahmoud fathalla
    mahmoud fathalla

    أنا أعرف شخص من تيسيت... قال لي إن الدرونز اللي تستخدمها الجماعات مصنوعة من قطع سيارات قديمة ومحركات دراجات نارية! وهم بيعملوا بطارياتهم من بطاريات الهواتف المحمولة! يعني... التكنولوجيا دي مش من أمريكا أو روسيا، دي من عقل إنسان محتاج يعيش! هذا ما يخليها أخطر من أي جيش منظم!

  • Nouria Coulibaly
    Nouria Coulibaly

    التعليم هو السلاح الوحيد اللي ممكن يقتل الإرهاب من جذوره. خلينا ندعم مشاريع تعلم القراءة والكتابة في القرى النازحة، بدل ما نرسل أسلحة. كل طفل يتعلم، هو بيخلي مستقبله أقوى من أي قنبلة. نحن نقدر نغير هذا، لو بدأنا من القلب، مش من الجيش.

أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول المطلوبة محددة*