الإمارات تحظر السفر إلى مالي وتدعو مواطنيها للعودة فوراً بسبب تدهور الوضع الأمني
في قرار غير مسبوق منذ سنوات، أعلنت وزارة الخارجية الإماراتية يوم الثلاثاء 9 ديسمبر 2025، حظرًا تامًا على سفر جميع مواطني دولة الإمارات إلى مالي، ودعت من هم هناك بالفعل إلى المغادرة فورًا. جاء القرار بعد تصاعد هجمات جماعات مسلحة متطرفة في غرب أفريقيا، وسط مخاوف من تكرار حادثة اختطاف رهائن إماراتيين في الماضي. الوزارة لم تكتفِ بالتحذير — بل تحولت إلى إجراء إجباري، مُشيرةً إلى أن أي مخالفة قد تُعرض المخالفين لعقوبات إدارية وفق قانون السفر رقم 9 لسنة 2019. التحذير لم يصدر من فراغ. بل جاء بعد أسابيع من تدهور أمني متسارع، وتشير التقارير إلى أن السفارة الإماراتية في باماكو خفضت مستوى عملياتها، إن لم تُغلق بالكامل.
ما الذي تغير في مالي؟
مالي، التي شهدت انقلابًا عسكريًا في 2020، تحوّلت إلى بؤرة أمنية متفاقمة. الجماعات المسلحة، أبرزها نصرة الإسلام والمسلمين — الفرع الإفريقي لتنظيم القاعدة — تسيطر على مناطق شاسعة في الشمال والوسط، وتُشن هجمات يومية على قوات الحكومة والمجتمعات المدنية. في الأشهر الأخيرة، زادت الهجمات على الطرق التجارية، وتم استهداف مراكز إنسانية وتجارية، بما في ذلك فنادق وشركات تعمل فيها جاليات أجنبية. وبحسب تقارير الأمم المتحدة، قُتل أكثر من 1,200 مدني في مالي خلال 2024 وحده، بينما نزح أكثر من 700,000 شخص من مناطقهم. هذا التصعيد هو ما دفع الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا وكندا إلى إصدار تحذيرات سفر من المستوى الأعلى — "لا تسافر أبدًا" — وهو نفس المستوى الذي تستخدمه الإمارات الآن.
لماذا هذا القرار مهم للإمارات؟
الإمارات ليست دولة تُصدر تحذيرات سفر بسهولة. في السنوات العشر الماضية، لم تُصدر سوى خمسة تحذيرات مشابهة — جميعها لدول في مناطق نزاع: الصومال، اليمن، ليبيا، السودان، والآن مالي. هذا يدل على أن الوضع في مالي وصل إلى مستوى غير مقبول حتى من منظور دبلوماسي. وفقًا لمصادر دبلوماسية، كان هناك 17 مواطنًا إماراتيًا مسجلين رسمياً لدى السفارة في باماكو، معظمهم يعملون في قطاعي المقاولات والتجارة. لكن العدد الفعلي قد يكون أعلى، إذ لا يُسجل جميع السياح أو المقيمين المؤقتين. وتشير تقارير إعلامية إلى أن حادثة اختطاف رهينتين إماراتيين في مالي قبل عامين، والتي انتهى إطلاق سراحهما مقابل فدية قيمتها 50 مليون دولار أمريكي، كانت نقطة تحول في سياسة وزارة الخارجية. لم تُؤكد الوزارة هذه التفاصيل رسميًا، لكنها لم تنفِها أيضًا — وهو ما يُفهم منه أن الملف الأمني لرعاياها في مالي لم يعد مجرد تحذير، بل ملفًا حيويًا.
ما الذي يفعله المواطن الإماراتي في مالي الآن؟
الوزارة طالبت المواطنين بالاتصال بالرقم المخصص للطوارئ، لكنها لم تُعلن الرقم علنًا — وهو إجراء أمني متعمد. لكن المصادر تشير إلى أن الرقم متاح عبر تطبيق "الإمارات للطوارئ"، أو عبر السفارة في الرياض، التي تُدار منها المهام القنصلية في غياب السفارة في باماكو. وبحسب مسؤولين، تعمل الوزارة على ترتيب رحلات جوية استثنائية من مطار باماكو-سيكو توري الدولي، لكنها تنتظر تأكيدًا من السلطات المالية بأن المطار آمن للهبوط والإقلاع. حتى الآن، لا توجد رحلات منتظمة، ولا توجد معلومات عن إمكانية استخدام ممرات برية عبر النيجر أو بوركينا فاسو — لأن تلك الطرق باتت أكثر خطورة من المطار نفسه. بعض المواطنين، حسب مصادر ميدانية، يختبئون في منازلهم أو ينتقلون إلى مناطق تسيطر عليها قوات أجنبية، لكن هذا ليس حلاً طويل الأمد.
كيف يقارن هذا القرار بالسابق؟
في 2022، حظرت الإمارات السفر إلى الصومال بعد موجة من الهجمات على مراكز تجارية يديرها إماراتيون. في 2023، اتخذت نفس الخطوة في اليمن بعد تفجيرات في ميناء عدن. لكن مالي مختلفة. فهي ليست دولة فاشلة، بل دولة تملك حكومة رسمية — رغم أنها تفتقر للسيطرة على أراضيها. والفرق الأكبر: مالي ليست قريبة جغرافيًا. رحلة من دبي إلى باماكو تستغرق أكثر من 7 ساعات، وغالبًا ما تمر عبر مطار في أوروبا أو الشرق الأوسط. هذا يعني أن المواطنين الإماراتيين هناك ليسوا فقط مغتربين، بل جزءًا من شبكة اقتصادية أوسع — شركات مقاولات، مشاريع تجارية، وحتى مشاريع تنموية. قرار الحظر، إذًا، ليس مجرد حماية للحياة، بل خسارة اقتصادية محتملة. تُقدّر خسائر الشركات الإماراتية العاملة في مالي بحوالي 2.3 مليون دولار سنويًا، وفق تقرير سري من غرفة تجارة دبي.
ماذا بعد؟
الوزارة لم تقل إن الحظر دائم. بل أشارت إلى أن القرار "قائم حاليًا"، وهو تعبير دبلوماسي يعني أن التقييم مستمر. وفقًا لمصادر مطلعة، هناك مفاوضات جارية مع الاتحاد الإفريقي والاتحاد الأوروبي لضمان ممر آمن لإجلاء الرعايا. كما تُدرس إمكانية إرسال طائرة عسكرية إماراتية لنقل المواطنين — مثلما فعلت في السودان عام 2023. لكن هذا يتطلب موافقة من السلطات المالية، التي ترفض أي تدخل أجنبي في شؤونها الداخلية. التحدي الأكبر؟ الوقت. كل يوم يمر يزيد من خطر وقوع حادثة جديدة. وفي ظل غياب تقارير رسمية من مالي، فإن وزارة الخارجية تبني قراراتها على تقارير استخباراتية وتحليلات أمنية من شركاء دوليين، وليس على بيانات رسمية من باماكو.
هل هذا القرار يؤثر على الاقتصاد الإماراتي؟
نعم، لكنه غير مباشر. مالي ليست شريكًا تجاريًا كبيرًا، لكنها بوابة لأسواق غرب إفريقيا. الشركات الإماراتية التي تعمل هناك تستخدمها كنقطة توزيع لمنتجات تستهدف النيجر، موريتانيا، وبنين. توقف هذه العمليات يعني توقف سلاسل توريد، وفقدان عقود، وربما خسارة شركاء استراتيجيين. في المقابل، تُظهر هذه الخطوة قدرة الإمارات على اتخاذ قرارات سريعة لحماية مواطنيها — حتى لو كلفتها تكاليف اقتصادية. هذه الصورة، في نظر المستثمرين الأجانب، تُعزز ثقتهم بدولة تُقدّم أمن رعاياها فوق المصالح التجارية. هذا، في حد ذاته، قيمة لا تُقدّر بثمن.
أسئلة شائعة
كيف يمكن للمواطن الإماراتي في مالي التواصل مع السفارة؟
يجب على المواطنين التواصل عبر تطبيق "الإمارات للطوارئ" أو الاتصال بمركز الطوارئ التابع لوزارة الخارجية عبر الرقم المخصص، المتوفر على مدار الساعة. لا يُنشر الرقم علنًا لأسباب أمنية، لكنه متاح للمواطنين المسجلين في قاعدة بيانات السفارة. كما يمكن التواصل عبر السفارة الإماراتية في الرياض، التي تُدير المهام القنصلية لغرب إفريقيا في غياب وجود دبلوماسي مباشر في باماكو.
ما العقوبات التي قد تواجه من يسافر إلى مالي رغم الحظر؟
وفقًا لقانون السفر رقم 9 لسنة 2019، يُمكن فرض عقوبات إدارية على المواطنين الذين يخالفون حظر السفر، تشمل غرامات مالية تصل إلى 50 ألف درهم، وحظر السفر الخارجي لفترة محددة، أو حتى مراجعة تأشيرات العمل أو الإقامة. هذه العقوبات لا تُطبق على من يسافرون لأسباب إنسانية أو طبية، لكنهم ملزمون بإبلاغ الوزارة مسبقًا والحصول على موافقة خطية.
لماذا لم تُغلق السفارة الإماراتية في باماكو رسميًا؟
رغم توقف العمليات اليومية، لم تُعلن الوزارة إغلاق السفارة رسميًا لأنها لا تزال تُدير اتصالات دبلوماسية مع السلطات المالية، وتُراقب تطورات الإجلاء. إغلاق السفارة يعني قطع كل جسر دبلوماسي، وهو ما تتجنبه الإمارات حتى في أسوأ الظروف. كما أن وجود ممثل دبلوماسي — حتى لو كان محدودًا — يُسهّل عمليات الإجلاء في حال تحسن الوضع أو ظهور فرصة طارئة.
هل هناك خطر على مواطنين إماراتيين آخرين في دول غرب إفريقيا؟
الوضع في مالي لا يُشبه الوضع في النيجر أو السنغال، لكن التهديدات المتطرفة تمتد إلى مناطق حدودية. الوزارة أصدرت تحذيرات مُخففة للسفر إلى النيجر وتشاد، لكنها لم تفرض حظرًا. تُتابع الوزارة عن كثب التحركات المسلحة في منطقة الساحل، وتحدد المخاطر بناءً على تقارير استخباراتية محدثة. حتى الآن، لا توجد مؤشرات على استهداف مواطنين إماراتيين في دول أخرى.
ما الذي يدفع الإمارات لاتخاذ قرارات أسرع من الدول الغربية؟
الإمارات لا تعتمد فقط على التقارير الإعلامية، بل على شبكة استخباراتية متطورة تربطها بدول أوروبية وأمريكية. كما أن لديها خبرة مباشرة في إجلاء مواطنيها من مناطق النزاع — من اليمن إلى السودان. هذا يمنحها قدرة على التقييم السريع والتحرك الفوري. في المقابل، بعض الدول الغربية تعتمد على إجراءات بيروقراطية أطول، مما يُؤخر قرارات الإجلاء حتى تصبح المخاطر محسوسة جدًا.
هل يمكن للمواطنين العودة عبر مطار باماكو الآن؟
السفر عبر مطار باماكو-سيكو توري الدولي لا يزال ممكنًا، لكنه يحمل مخاطر عالية. الوزارة تُوصي بالعودة فقط عبر رحلات استثنائية تُنظم بالتنسيق مع السلطات المالية، وتحت حراسة أمنية. الرحلات التجارية التجارية لا تُعتبر آمنة، وعدد الرحلات اليومية تراجع بنسبة 70% منذ نوفمبر 2025. أي مسافر يرغب بالعودة يجب أن يتواصل مع الوزارة أولًا، ولا يُنصح بالسفر الفردي أو عبر وسائل نقل برية.
Abdeslam Aabidi
يا جماعة، هذا القرار صعب لكنه ضروري. شفت كيف خلّصوا مواطنين من الصومال والسودان؟ ما نقدر نخاطر بحياة أحد علشان نحافظ على عقد تجاري. الله يحفظهم ويسهل عليهم الرحلة، ويا رب تتحسن الأوضاع قريب.
Majd kabha
الحظر ما هو إلا انعكاس لواقع مُر: دولة تملك حكومة لكنها مش قادرة تحمي أرضها، ودولة تملك قدرة تحمي رعاياها حتى لو كلفها ذلك ثمنًا. هذا ليس خوفًا، هذا حكمة.
Mohamed Amine Mechaal
القرار يندرج ضمن إطار إدارة المخاطر السيادية المتكاملة (SRM Framework)، حيث تُفضّل الدولة تجنب التعرض للتهديدات غير المتناسبة (asymmetric threats) في بيئات ذات كثافة تهديد عالية (high-threat density zones). إغلاق الممرات الدبلوماسية غير المباشرة - مثل السفارة في الرياض - يُعدّ تفعيلًا لآلية الاستجابة اللامركزية (decentralized consular response)، وهو ما يُقلل من نقاط الفشل الوحيدة (single points of failure). المفارقة أن التدخل العسكري المباشر مُستبعد بسبب مبدأ السيادة، لكن التخطيط اللوجستي الاستباقي - عبر رحلات جوية مُنسقة مع الجهات الإقليمية - يُمثل توازنًا دقيقًا بين الأمن القومي والمصلحة الدبلوماسية.