كوراساو تُسجل تاريخًا: أصغر دولة في العالم تتأهل إلى كأس العالم 2026

كوراساو تُسجل تاريخًا: أصغر دولة في العالم تتأهل إلى كأس العالم 2026

في ليلة لم ينسها سكان جزيرة صغيرة تبلغ مساحتها أقل من مدينة صغيرة، تحوّل الحلم إلى واقع: كوراساو، تلك الجزيرة الكاريبية التي لا يتجاوز عدد سكانها 156 ألفًا، تأهلت رسميًا إلى كأس العالم 2026الولايات المتحدة وكندا والمكسيك بعد تعادلها السلبي مع جامايكا في 18 نوفمبر 2024. هذا ليس مجرد تأهل. هذا انقلاب في قوانين اللعبة. أصغر دولة في التاريخ تصل إلى المونديال، تكسر رقماً قياسياً كان يُعتقد أنه خالد: أيسلندا، التي احتفظت به منذ 2018 بـ350 ألف نسمة. كوراساو؟ أقل من نصف ذلك. 151 ألفاً، حسب بعض المصادر. 156 ألفاً، حسب أخرى. لكن الرقم الحقيقي؟ أنه لم يكن يُفترض أن ينجح أصلاً.

الإرث الهولندي الذي صنع الأسطورة

لا تُفهم كوراساو دون فهم هولندا. هذه الجزيرة، التي تبعد 25 كيلومتراً فقط عن فنزويلا، ليست دولة مستقلة بالمعنى الكامل. منذ 2010، هي جزء من مملكة هولندا، تتمتع بحكم ذاتي، لكنها ترث منهجها، ثقافتها، وربما الأهم — كرة قدمها. هنا لا يُلعب بالطريقة الكاريبية التقليدية. لا يُلعب بالسرعة والحرارة وحدها. يُلعب بالتنظيم، بالانضباط، بالتفاصيل الصغيرة التي تصنع فرقاً كبيراً. وهذا ما جعل من كوراساو نموذجاً نادراً: فريق يضم لاعبين من أوروبا، يلعبون في أندية مثل غرونينغن وشيفيلد يونايتد وغازي عنتاب، ويعودون للمنتخب ليُغيروا قواعد اللعبة.

القائد لياندرو باكونا، من غرونينغن، والصغير جونينيو باكونا من تركيا، ليسا مجرد لاعبين. هما رمزان. رمزان لانتماء لا يُقاس بالجنسية، بل بالانضباط. واليوم، بعد 10 مباريات دون هزيمة، بعد فوز 7-0 على برمودا، وبعد انتصار 2-0 على جامايكا في الذهاب — لم يكن هذا صدفة. كان تخطيطاً.

الإنجاز دون مدربه الأسطوري

اللعبة كانت أصعب مما تبدو. ففي لحظة حاسمة، غاب الرجل الذي بنى هذا الفريق: ديك أدفوكات. المدرب الهولندي البالغ من العمر 77 عاماً، الذي قاد كوراساو في كل مباريات التصفيات تقريباً، لم يكن مع الفريق في المباراة الحاسمة. لماذا؟ لم يُعلن. بعض التقارير تقول إنه أصيب بوعكة صحية. آخرون يشيرون إلى ضغوط نفسية. لكن ما حدث؟ الفريق لم ينهار. بل ازداد تركيزاً. لم يُطلب منهم أن يلعبوا كأبطال. طُلب منهم أن يلعبوا كفريق. كفريق واحد. كفريق يعرف أنه لا يملك إلا الالتزام.

النتيجة؟ صدارة المجموعة الثانية برصيد 12 نقطة. بدون مباريات فاصلة. بدون تردد. بدون خوف. هذا ليس فقط تأهل. هذا إثبات أن كرة القدم ليست مسألة حجم، بل مسألة إرادة. وعندما يمتلك الفريق مزيجاً من التدريب الهولندي، والانتماء المحلي، والخبرة الأوروبية — حتى أصغر الجزر يمكنها أن تُحدث زلزالاً.

التأثير الأوسع: عندما تُعيد كأس العالم تعريف "القدرة"

التأثير الأوسع: عندما تُعيد كأس العالم تعريف "القدرة"

السبب الحقيقي وراء هذا الإنجاز؟ توسيع كأس العالم إلى 48 منتخباً للمرة الأولى. هذا القرار، الذي اتخذه الفيفا قبل خمس سنوات، لم يكن فقط لزيادة الإيرادات. كان لإعطاء فرصة للدول التي لم تُسمع لها قط. واليوم، كوراساو ليست استثناء. إنها نموذج. نموذج لدولة صغيرة، بلا موارد، بلا ملاعب ضخمة، بلا جماهير ملايين — لكنها تملك شغفاً، وقيادة، ورؤية.

وإذا نظرنا إلى قائمة المتأهلين الجدد، نرى أن كوراساو ليست الوحيدة. هايتي عادت بعد 52 عاماً. بنما حافظت على مكانتها. والرأس الأخضر، التي يبلغ تعداد سكانها 525 ألفاً، أصبحت ثالث أصغر دولة تصل للمونديال. لكن كوراساو؟ هي الأصغر. والأكثر إثارة. لأنها لم تكن تُحتسب أصلاً.

ما الذي سيتغير الآن؟

ما الذي سيتغير الآن؟

الآن، كل شيء سيتغير. المدن الهولندية ستشهد احتفالات بارزة. المدارس في كوراساو ستحتفل باليوم الذي أصبحوا فيه أبطالاً عالميين. الشركات المحلية ستدعم الفريق. المدربون الشباب سيرون في كوراساو نموذجاً يُحتذى به. بل إن بعض الأندية الأوروبية بدأت تبحث عن لاعبين من الجزيرة — ليس فقط لأنهم أقوياء، بل لأنهم مُدرّبون بطريقة مختلفة. تدريب يُركز على الذكاء، وليس القوة.

والأهم: هذا الإنجاز يُعيد تعريف ما يعنيه "أن تكون قوياً" في كرة القدم. لم تعد الألقاب تُمنح فقط للدول ذات المليارات. بل للدول التي تؤمن بأنها تستحق أن تكون هناك. حتى لو كان عدد سكانها أقل من عدد المشجعين في ملعب واحد.

أسئلة شائعة

كيف تمكن منتخب كوراساو من التأهل رغم صغر حجمه؟

بفضل تعاون طويل الأمد مع الاتحاد الهولندي، الذي قدم تدريباً منهجياً ودعم فنياً مستمراً. كما أن اعتماده على لاعبين محترفين في أوروبا، مع الحفاظ على هوية محلية قوية، سمح له بدمج الخبرة مع الحماس. لم يُهزم في أي مباراة خلال التصفيات العشر، وسجل 15 هدفاً في المرحلة الثانية وحدها، مما يدل على توازن دفاعي وهجومي نادر في هذا المستوى.

لماذا لم يُذكر مدرب كوراساو في مباراة التأهل؟

المدرب الهولندي ديك أدفوكات، الذي قاد الفريق في معظم مباريات التصفيات، غاب عن المباراة الحاسمة بسبب ظروف صحية لم تُكشف تفاصيلها رسمياً. لكن الفريق، الذي تدرب على قيادته لسنوات، أظهر نضجاً استثنائياً، وواصل أسلوبه دون تغيير، مما يدل على أن النظام الذي بناه أدفوكات أعمق من أي فرد.

ما تأثير هذا التأهل على الاقتصاد المحلي لكوراساو؟

التأثير الاقتصادي فوري: ارتفعت مبيعات التذاكر والهدايا التذكارية بنسبة 300% في أسبوع واحد، كما تلقت الحكومة طلبات دعم من شركات سياحية أوروبية ترغب في تنظيم رحلات جماعية لمشاهدة المباريات. كما تُخطط الجزيرة لبناء ملعب جديد بسعة 10 آلاف متفرج، بتمويل جزئي من هولندا، مما قد يخلق أكثر من 500 فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة.

هل يمكن لكوراساو أن تُحقق نتائج جيدة في كأس العالم؟

حتى لو كانت من أصغر الفرق، فإنها تمتلك ميزة فريدة: لا تُتوقع منها أي شيء، مما يُحررها من الضغوط. فريقها يلعب بانضباط هولندي، وله خبرة في مواجهة أندية قوية في أوروبا. إذا نجح في تجنب الهزائم الكبيرة في المجموعة، فقد يُفاجئ الجميع. التاريخ يُثبت أن أصغر الفرق أحياناً تُحدث أكبر الضجات — مثل أيسلندا عام 2016.

ما الذي يميز كوراساو عن الدول الصغيرة الأخرى التي تأهلت؟

بينما تتأهل دول مثل الرأس الأخضر أو الأردن بفضل دعم حكومي أو استثمار طويل، فإن كوراساو تتأهل بفضل شبكة تدريب هولندية غير رسمية، تربط بين المدارس المحلية وأكاديميات هولندا. هذا النموذج لا يعتمد على الأموال، بل على المعرفة. وهذا يجعل إنجازها أكثر إثارة، لأنه لم يُبَع، بل نُمّي.

لماذا لم يُذكر تأهل كوراساو في وسائل الإعلام الكبيرة من البداية؟

لأن العالم يُقيّم الفرق بحجمها، وليس بقدراتها. وسائل الإعلام الكبرى ركزت على أسماء مثل المكسيك أو الولايات المتحدة. لكن المتابعين الدقيقين لتصفيات الكونكاكاف كانوا يعرفون أن كوراساو تلعب بطريقة مختلفة. هذا التأهل هو انتصار للذين يتابعون بعيونهم، لا بحساباتهم.