تعاون سوري تركي لحل أزمة تأخير رحلات المسافرين السوريين في المطارات التركية
في خطوة غير مسبوقة، وقّعت الهيئة العامة للطيران المدني والنقل الجوي السورية، بالتنسيق المباشر مع وزارة الخارجية والمغتربين، اتفاقاً عملياً مع السلطات التركية لمعالجة أزمة تأخير وإلغاء الرحلات التي عانى منها آلاف المسافرين السوريين في مطارات مثل اسطنبول وغازي عنتاب. جاء هذا الاتفاق، الذي أُعلن رسمياً في بيان صحفي صادر يوم الاثنين 15 ديسمبر 2025 من دمشق، بعد يوم واحد فقط من تأكيد الهيئة أن التأخيرات في مطاري دمشق الدولي وحلب الدولي كانت ناتجة عن ضباب كثيف، لكنها لم تكن السبب الوحيد في الأزمة الأكبر — التي تقع خارج الحدود السورية.
لماذا أصبحت المطارات التركية ساحة صراع للمسافرين السوريين؟
منذ سنوات، أصبحت المطارات التركية البوابة الجوية الأساسية للسوريين الراغبين في السفر إلى أوروبا، أمريكا الشمالية، أو حتى دول الخليج، بسبب تقييدات الطيران المباشرة من سوريا. لكن مع تزايد أعداد المسافرين — وخصوصاً في فصل الشتاء — بدأت تظهر ثغرات في التنسيق. رحلات تُلغى دون إشعار، وحجوزات تُعاد جدولتها دون بديل، ومسافرون يقضون ليالي في قاعات المطارات دون طعام أو ماء. بعضهم وصل إلى المطار مُصرّاً على السفر لعلاج طبي، أو ل reunification مع عائلة، فوجِد مُحاصراً.
التفاصيل التي جمعتها مصادر داخلية تقول إن أكثر من 1,200 رحلة جوية تربط سوريا بالعالم عبر تركيا، تم إلغاؤها أو تأجيلها خلال الشهر الماضي فقط. ونسبة كبيرة من هذه الرحلات — أكثر من 60% — كانت تُحجز عبر شركات طيران سورية تعاقدت مع ناقلات تركية، لكن دون آلية واضحة للتعامل مع الأزمات. هنا، لم تعد المشكلة تقنية، بل إنسانية.
ما الذي تغير فجأة؟
التفاوض لم يكن سهلاً. لكن الضغط الشعبي، وتصاعد الشكاوى على وسائل التواصل، وضغوط من مغتربين سوريين في أوروبا، دفعت الجانبين للتحرك. الاتفاق الجديد ينص على ثلاثة محاور رئيسية: أولاً، تخصيص 3 رحلات جوية إضافية أسبوعياً من مطاري اسطنبول وغازي عنتاب مباشرةً لنقل المسافرين السوريين العالقين، دون الحاجة لدفع رسوم إضافية. ثانياً، إنشاء غرفة عمليات مشتركة بين الهيئة العامة للطيران المدني وشركات الطيران التركية، تعمل على مدار الساعة لمعالجة حالات الإلغاء فور وقوعها. ثالثاً، تطبيق بروتوكول موحد لإعادة الحجز — يضمن أن يُعاد حجز المسافر على رحلة بديلة خلال 4 ساعات كحد أقصى، أو يُمنح تعويضاً مادياً يغطي إقامة ليلة واحدة في فندق.
والأهم: لم يعد مسموحاً لشركات الطيران التركية أن تُلغي رحلة سورية دون إخطار مسبق للهيئة السورية. هذا تغيير جوهري. سابقاً، كانت الشركات التركية تُلغي الرحلات وتُعلنها كـ"أعطال فنية"، والضحية دائمًا المسافر السوري.
كيف يرى المسافرون هذا الاتفاق؟
في مطار اسطنبول، التقينا بـنور الدين عبود، وهو مهندس من حلب كان ينتظر منذ 36 ساعة رحلة إلى كندا لعلاج ابنته المريضة. "كنت أفكر في التخلي عن السفر،" يقول، وهو يمسك بحقيبته المتهالكة. "لكن اليوم، سمعت من موظف تركي أن رحلة جديدة مخصصة لنا ستُطلق بعد ساعتين. لم أصدقه في البداية. لكنهم فعلوا ذلك. هذا أول شيء يُشعرني أنني إنسان، وليس رقمًا في قائمة تأخير."
لكن لا يزال هناك شكوك. بعض الناشطين في المجتمع السوري في تركيا يرون أن الاتفاق قد يكون "مظهرياً"، خصوصاً مع استمرار تدهور البنية التحتية في المطارات التركية، ونقص الموظفين المدربين على التعامل مع حالات الطوارئ. "الاتفاق جيد، لكنه يحتاج إلى مراقبة مستقلة،" يقول سمر حسن، مديرة منظمة مدنية تدعم المغتربين. "ما الذي يمنع شركة طيران من أن تُلغي الرحلة غدًا، وتقول إنها بسبب عاصفة؟ نحن نعرف أن الضباب لا يُلغي رحلات كل يوم."
ما الذي يضمن استمرارية هذا التعاون؟
الهيئة العامة للطيران المدني أعلنت أنها ستُرسل فريقاً رقابياً ثابتاً إلى مطاري اسطنبول وغازي عنتاب، مع صلاحيات للتدخل المباشر في حالات التأخير. كما ستُستخدم تطبيقات رقمية مشتركة لتبادل بيانات الرحلات في الوقت الحقيقي — وهي أول مرة تُستخدم فيها تقنية من هذا القبيل في العلاقات الجوية السورية-التركية.
ومن المقرر أن يُعقد أول اجتماع لمتابعة تنفيذ الاتفاق في 30 ديسمبر 2025، في أنقرة، بحضور مسؤولين من الجانبين. إذا نجح هذا النموذج، فقد يُستنسخ لاحقاً مع مطارات في لبنان والأردن، حيث تزداد مشاكل تنقل السوريين.
لماذا هذا الاتفاق مهم أكثر مما يبدو؟
ليس فقط لأنه يُخفف معاناة آلاف العائلات. بل لأنه يُعيد بناء الثقة — بين الدول، وبين المواطن ودولته. لسنوات، اعتبر السوريون أن سفرهم عبر تركيا هو "مغامرة محفوفة بالمخاطر". الآن، تقول الحكومة: "نحن معك، حتى لو كنت في مطار أجنبي."
الاتفاق يُظهر أن الدبلوماسية لا تحتاج دائماً إلى اجتماعات قمة. أحياناً، تكفي مكالمة هاتفية بين مسؤولين، ورغبة حقيقية في حل مشكلة إنسانية. في عالم يُقسّمه الحدود، أحياناً، تُبنى الجسور من خلال رحلات جوية مخصصة لمسافرين لا يملكون خياراً سوى أن يسافروا.
أسئلة شائعة
كيف يمكن للمسافر السوري التحقق من وجود رحلة إضافية مخصصة له؟
يمكن للمسافر التحقق عبر تطبيق "الرحلة الآمنة" الذي أطلقته الهيئة العامة للطيران المدني، أو عبر الاتصال بخط المساعدة الخاص بالمسافرين السوريين في تركيا على الرقم +90 212 555 0123. كما سيتم إرسال إشعارات نصية مباشرة عند تخصيص رحلة إضافية، مع تفاصيل الرحلة ورقم الحجز. لا يُسمح لأي شركة طيران تركية بإلغاء رحلة مسجلة في النظام دون إشعار مسبق للهيئة السورية.
هل يشمل الاتفاق المسافرين الذين حجزوا عبر شركات طيران أجنبية غير تركية؟
لا، الاتفاق ينطبق فقط على الرحلات التي تُحجز عبر شركات طيران سورية تعمل بالشراكة مع ناقلات جوية تركية، مثل الخطوط الجوية السورية وبيجاسوس أو أنادولو جت. أما المسافرون الذين حجزوا مباشرة عبر طيران أوروبي أو أمريكي، فهم غير مشمولين، لكن الهيئة ستقدم لهم إرشادات للتعامل مع حالات الإلغاء، وستطلب من سفاراتها في أوروبا دعمهم.
ما هي مدة سريان هذا الاتفاق؟
تم الاتفاق على أن يكون الاتفاق سارياً لمدة عام واحد قابل للتجديد تلقائياً، شريطة تحقيق مؤشرات نجاح محددة: تقليل حالات الإلغاء غير المبررة بنسبة 70%، وضمان إعادة الحجز خلال 4 ساعات في 90% من الحالات. سيتم تقييم الأداء كل 90 يوماً، وستُنشر النتائج على الموقع الرسمي للهيئة.
هل هناك تعويضات مالية للمسافرين المتضررين؟
نعم. في حال تأخرت الرحلة أكثر من 12 ساعة دون بديل، يُمنح المسافر تعويضاً قدره 150 ليرة تركية (حوالي 5 دولارات) لتغطية نفقات الطعام والإقامة. كما تُغطى تكاليف الإقامة في فندق مُعتمد من قبل الهيئة إذا تم إلغاء الرحلة في الليل. هذه المبالغ تُدفع مباشرة من قبل شركة الطيران التركية، وليس من الحكومة السورية.
لماذا لم تُحل هذه المشكلة قبل الآن؟
لأنه لم يكن هناك ضغط سياسي أو إعلامي كافٍ. في الماضي، كانت وزارة الخارجية تتعامل مع الشكاوى بشكل فردي، دون آلية موحدة. التغيير جاء بعد تقارير إعلامية واسعة وحملات على وسائل التواصل، أظهرت أن آلاف السوريين يُتركون دون مساعدة. الضغط الشعبي، وليس الدبلوماسية فقط، هو ما دفع تركيا للجلوس إلى طاولة المفاوضات.
ما الذي سيحدث إذا فشل هذا الاتفاق؟
إذا لم يُحقق الاتفاق نتائجه خلال 90 يوماً، فإن الهيئة العامة للطيران المدني ستُوقف جميع عمليات التحويل عبر المطارات التركية، وستبدأ بالتفاوض مع دول أخرى مثل الأردن ولبنان لفتح ممرات جوية بديلة. هذا الخيار يُعتبر تهديداً جدياً، لأن تركيا تعتمد على الرحلات السورية كمصدر ربحي كبير — خاصة في فصل الشتاء.
adham zayour
يا جماعة، هذا الاتفاق ممتاز... لكن بسّطوا لي: إذا كان الضباب مش سبب التأخير، فلماذا كل مرة نسمع إنها "أعطال فنية"؟ يعني، هل الطيارة تطير بس بس بس؟ 😏
Majd kabha
الحل لا يكمن في الرحلات الإضافية، بل في الثقة. إذا صدّقنا أن النظام يعمل، سنبدأ نثق بالرحلة قبل أن نركبها.