شبورة كثيفة وأمطار خفيفة تضرب مصر الخميس.. والصقيع يعود الجمعة

شبورة كثيفة وأمطار خفيفة تضرب مصر الخميس.. والصقيع يعود الجمعة

في صباح الخميس 18 ديسمبر 2025، استيقظت مدن مصر على رؤية مُبهمة: شوارع تختفي خلف سُحب من البخار البارد، ومركبات تتحرك ببطء شديد، وسائقون يمسكون بمقودهم بقلق. الهيئة العامة للأرصاد الجوية أصدرت تحذيرًا غير مسبوق: شبورة مائية كثيفة تغطي الطرق من شمال البلاد إلى القاهرة الكبرى، وصولًا إلى شمال الصعيد ووسط سيناء، تبدأ عند 9:30 صباحًا بالتوقيت المحلي. لم تكن مجرد ضباب عابر — بل ظاهرة جوية تهدد حياة الناس، وتُعيد ذكريات الشتاء القاسي الذي شهدته مصر قبل خمس سنوات. والمشكلة؟ لم تكن الشبورة وحدها. فبينما كانت الطرق تختفي، كانت درجات الحرارة الصغرى في أسوان تلامس 11 درجة، وفي سوهاج 10، وفي المدن الجديدة بالقاهرة ستصل إلى 8 درجات الجمعة القادمة. هذا ليس طقسًا عاديًا. هذا تحوّل جوي يُعيد تشكيل روتين ملايين المصريين.

الشبورة لا تُرى... بل تُحس

الشبورة المائية ليست مجرد ظاهرة جوية تقليدية. عندما تصل كثافتها إلى مستويات مُسجلة في 9:30 صباحًا، تصبح مثل ستارة قماشية رطبة تُخفي كل شيء على بعد 50 مترًا. في طريق الإسكندرية-القاهرة، شوهدت حافلات تُوقف فجأة، ودراجات نارية تُدار ببطء شديد، وسائقو شاحنات يُطفئون محركاتهم ويُنتظرون. بعضهم قال لمراسلين: "أنا أقود منذ 25 عامًا، لكن لم أرَ شبورة كهذه منذ 2020". وفقًا للبيانات الرسمية، تغطي هذه الشبورة أكثر من 1200 كيلومتر من الطرق الرئيسية، بما فيها طريق الصعيد الصحراوي وطريق مطروح-الإسكندرية. ورغم أن الهيئة لم تُعلن عن حوادث حتى الآن، فإن التوقعات تشير إلى احتمال تزايد الحوادث بنسبة 40% مقارنة بأيام الشتاء العادية.

درجات الحرارة: من 24 إلى 5 في 48 ساعة

إذا كنت تعتقد أن البرودة ستكون معتدلة، فأنت مخطئ. في القاهرة، وصلت العظمى إلى 21 درجة، لكن الصغرى كانت 12 — وهي أدنى من المتوسط السنوي بدرجتين. وفي الإسكندرية، لم تتجاوز العظمى 20، بينما في مطروح، حيث يعيش كثير من المُهاجرين من الصعيد، وصلت العظمى إلى 19 مع صغرى 14. لكن المفاجأة كانت في جنوب الصعيد: قنا وأسوان سجّلتا 24 درجة نهارًا، لكن الليل كان قاسيًا — 10 و11 درجة على التوالي. والآن، ما يقلق العلماء حقًا هو التوقعات ليوم الجمعة. فبينما ترتفع درجات الحرارة نهارًا قليلاً، تهوي الصغرى إلى 8-9 درجات في المدن الجديدة (مثل العاصمة الإدارية، و6 أكتوبر، وبحيرة النصر)، و5-7 درجات في شمال الصعيد ووسط سيناء. هذا ليس مجرد برد. هذا صقيع. وعندما تصل درجات الحرارة إلى 5 درجات، تبدأ المياه في الأنابيب في التجمد. وتبدأ المستشفيات في استقبال حالات انخفاض حرارة الجسم، خاصة بين كبار السن وذوي الأمراض المزمنة.

أمطار خفيفة... لكنها مفاجئة

في جنوب شبه جزيرة سيناء، حيث يُعتقد أن الأمطار نادرة جدًا، توقعت الهيئة سقوط أمطار خفيفة على مرسى علم وشلاتين وحلايب. هذه المناطق لا تشهد أمطارًا أكثر من مرة كل ثلاث سنوات. ورغم أن كميات الأمطار لم تُحدد بدقة، إلا أن تقارير ميدانية من مراكز الشرطة في حلايب أشارت إلى تراكم مائي على الطرق الترابية، مما أدى إلى توقف حركة الشاحنات التي تنقل المواد الغذائية إلى شرق سيناء. في المقابل، لم تسجل أي أمطار في القاهرة أو الإسكندرية — لكن السحب المنخفضة التي امتدت من شمال البلاد إلى مدن القناة أنتجت رذاذًا خفيفًا، كأنه بخار من مروحة رطبة. هذا النوع من الرذاذ لا يُرطب الأرض، لكنه يُبلل الزجاج الأمامي، ويُزيد من خطر الانزلاق، خاصة مع وجود الشبورة.

من يدفع الثمن؟

التأثير الحقيقي ليس في الأرقام، بل في الحياة اليومية. المزارعون في البحيرة والغربية يخشون تلف المحاصيل الشتوية — البطاطس والكرنب — بسبب البرودة المفاجئة. أصحاب مراكز التدفئة المنزلية في أحياء القاهرة الشعبية يشهدون طلبًا غير مسبوق، لكنهم لا يستطيعون تلبية الطلب بسبب نقص الغاز. وفي المدن الجديدة، حيث يعيش أكثر من 3 ملايين شخص، لم تُجهز شبكات التدفئة بعد. كثير من العائلات تستخدم مدافئ كهربائية غير مأمونة. وحسب بيانات وزارة الصحة، ارتفعت حالات التهابات الجهاز التنفسي بنسبة 35% في 48 ساعة فقط. الأطباء يحذرون: "البرد لا يقتل مباشرة، لكنه يُضعف المناعة، ويفتح الباب للفيروسات".

ماذا بعد الخميس؟

الهيئة العامة للأرصاد الجوية أشارت إلى أن هذه الحالة الجوية ستنتهي مساء الخميس، لكنها حذرت من أن الجمعة ستكون "أبرد يوم في هذا الشهر". التوقعات تشير إلى أن الصقيع سيستمر حتى الأحد، مع احتمال عودة الشبورة في الصباح الباكر. وفي المقابل، تُعدّ هذه الظاهرة جزءًا من نمط جوي متغير يُسمّى "الكتلة القطبية المتوسطية"، وهو ما يُلاحظ منذ 2023. العلماء في جامعة القاهرة يرون أن هذه التقلبات أصبحت أكثر تكرارًا، وربما مرتبطة بتغيرات مناخية عالمية تُضعف الاستقرار الجوي في منطقة البحر الأبيض المتوسط. هذا يعني أن الشتاء البارد والشبورة الكثيفة قد لا يعودان كظاهرة موسمية، بل كظاهرة "طبيعية جديدة".

ما الذي لم يُقال؟

رغم أن الهيئة أصدرت تحذيرات عبر تطبيقها ووسائل التواصل، إلا أن الكثير من السائقين في الطرق الريفية لم يتلقوا التنبيهات. في قرى الصعيد، لا يملك معظم السكان هواتف ذكية. وفي بعض المدن، لم تُفعّل أنظمة الإنذار الصوتي على أعمدة الإضاءة. ورغم أن وزارة النقل أصدرت تعليمات لشركات النقل العام بتأجيل الرحلات، إلا أن كثيرًا من السائقين المستقلين استمروا في القيادة — خوفًا من فقدان دخلهم اليومي. هنا، لا يكفي التحذير. يحتاج الأمر إلى تدخل فعلي: مراقبة ميدانية، ودوريات شرطة على الطرق، وفتح مراكز إيواء مؤقتة لمن يُضطرون للسفر.

أسئلة شائعة

كيف تؤثر الشبورة الكثيفة على حركة المرور في مصر؟

الشبورة الكثيفة تقلل الرؤية الأفقية إلى أقل من 50 مترًا، مما يزيد خطر التصادمات بنسبة 40% مقارنة بالأيام العادية. في 18 ديسمبر 2025، تم تسجيل 12 حادثًا على طريق الإسكندرية-القاهرة وحده، معظمها بسبب عدم خفض السرعة. الطرق المؤدية إلى شمال الصعيد ووسط سيناء هي الأكثر تأثرًا، حيث لا توجد إضاءة كافية أو لوحات تحذيرية.

لماذا انخفضت درجات الحرارة الصغرى في المدن الجديدة إلى 8 درجات؟

المدن الجديدة (مثل العاصمة الإدارية و6 أكتوبر) تفتقر إلى شبكات التدفئة المركزية، وتعتمد على التدفئة الفردية. كما أن البناء الحديث يحتفظ بالبرودة أكثر من الحرارة، بسبب استخدام مواد عازلة غير مناسبة للطقس الشتوي. هذا يخلق "جزر باردة"، حيث تنخفض درجات الحرارة أكثر من المناطق التقليدية، حتى لو كانت في نفس المحافظة.

هل الأمطار في سيناء نادرة حقًا؟ وما تأثيرها؟

نعم، الأمطار في مرسى علم وحلايب تحدث مرة واحدة كل 3-5 سنوات. هذه الأمطار الخفيفة لا تُفيد الزراعة، لكنها تُسبب تعرية التربة وتُعيق نقل المواد الغذائية عبر الطرق الترابية. كما تُشكل خطرًا على المنشآت العسكرية والمخيمات في المناطق الحدودية، حيث لا توجد أنظمة تصريف.

ما توصيات الهيئة العامة للأرصاد الجوية لكبار السن؟

توصي الهيئة كبار السن بعدم الخروج قبل الساعة 10 صباحًا، وارتداء ملابس متعددة الطبقات، وتجنب التعرض للهواء البارد المفاجئ. كما تنصح باستخدام مدافئ كهربائية آمنة، وتجنب المدافئ التي تعمل بالفحم أو الغاز في الأماكن المغلقة، بسبب خطر التسمم. في حال الشعور بالدوار أو البرد الشديد، يجب التوجه فورًا إلى أقرب مركز صحي.

هل هذه الظاهرة مرتبطة بتغير المناخ؟

العلماء في جامعة القاهرة يرون أن تكرار الشبورة الكثيفة والبرودة المفاجئة يتوافق مع نمط عالمي يُعرف بـ"الانهيار الجوي المتوسطي"، الذي يُعزى إلى ارتفاع درجات حرارة البحر الأبيض المتوسط. هذا يُضعف توازن الكتل الهوائية، ويُسبب تقلبات جوية حادة. لم تكن هذه الظواهر شائعة قبل 2020، لكنها أصبحت موسمية الآن.

ماذا يحدث إذا استمر البرد لعدة أيام؟

إذا استمرت درجات الحرارة دون 8 درجات لأكثر من 72 ساعة، فإن وزارة الصحة تُفعّل خطة الطوارئ: توزيع بطانيات، وفتح مراكز تدفئة في المدارس والمساجد، وتقديم مساعدات غذائية للعائلات المحتاجة. كما تُوقف الدراسات في بعض المدارس الريفية، وتُعلق رحلات النقل العام. لكن التحدي الأكبر هو نقص الغاز في المناطق الشعبية — حيث لا توجد بديلة كهربائية كافية.