رسائل واتس آب تُلزم امرأة بردّ 67 ألف درهم قرض من مديرها

رسائل واتس آب تُلزم امرأة بردّ 67 ألف درهم قرض من مديرها

في حكم يُعدّ مفصلياً في عصر الرقمنة، أصدرت المحكمة المدنية في دبي قراراً بتاريخ 11 يونيو 2025 يُلزم امرأة من جنسية دولة عربية بردّ مبلغ 67 ألف درهم إماراتي اقترضته من مديرها في العمل — ليس بناءً على عقد مكتوب، بل على رسائل واتس آب أقرّت فيها صراحةً باستلام الأموال وتعهّدت بردّها. المفاجأة؟ لم تُستخدم شهود ولا مستندات رسمية. فقط محادثات هاتفية — ووثّقتها خبرة فنية.

الرسائل التي غيّرت مصير امرأة

القصة بدأت عندما تقدّم مدير عمل — رجل عربي — بدعوى قضائية طالب فيها بردّ مبلغ 67 ألف درهم، دفعت له المرأة على فترات متفرقة خلال عامين: أحياناً عبر تحويل بنكي، وأحياناً نقداً يدًا بيد. لكن ما جعل الدعوى مميزة، ليس المبلغ، بل أدلة الإثبات. لم تكن هناك ورقة موقعة، ولا كفالة، ولا شهود. فقط سلسلة من رسائل واتس آب، أرسلتها المدعى عليها بنفسها، تقول فيها: "أنا مستلمة الـ13 ألف درهم"، ثم: "الـ14 ألف وصلت، وسأردها لما يصير عندي مبلغ من خالتي"، وأخيراً: "الـ40 ألف دي سلفة مؤقتة، وسأردها فور ما أقبض راتبي".

القاضي لم يعتمد على الادعاءات. ندب خبيراً فنياً متخصصاً في تحليل البيانات الرقمية، لفحص الرسائل بدقة. الخبير تأكد من أصالة الحسابات، وتوثيق الهويات، وتواريخ الإرسال، وربط كل رسالة بتحويل بنكي موثق. النتيجة؟ 67 ألف درهم — موزعة على ثلاث مراحل — جميعها مُثبتة، وكلها مُقرّ بها من المدعى عليها.

القانون يُقرّ بقوة الرسائل النصية

المحكمة لم تكتفِ بتأكيد صحة الرسائل، بل ذهبت أبعد من ذلك. في حيثيات حكمها، أكّدت أن المراسلات الإلكترونية عبر تطبيقات مثل واتس آب أصبحت — وفق القانون المدني الإماراتي — سندات إثبات قانونية، شريطة أن تُوثّق وتُخضع لفحص فني. هذا ليس تغييراً جديداً، بل تطبيق منطقي لتعديلات قانونية صدرت منذ عام 2022، جعلت من الرسائل النصية والبريد الإلكتروني وسائط معترف بها في القضايا المدنية والتجارية.

لكن ما يُثير الانتباه هنا، هو أن المدعى عليها لم تُقدّم أي دليل على السداد — لا إيصال، لا تحويل، لا حتى رسالة تقول: "أديت المبلغ". وهذا ما جعل المحكمة تُلزِمها بالردّ كاملاً. الفائدة القانونية (5%) لم تُمنح، لأنها لم تُحدد موعد استحقاق صريح في الرسائل. لكن الأصل — المبلغ — وُجد، ووُثّق، وتم إثباته.

لماذا هذا الحكم يُغيّر قواعد اللعبة؟

في الماضي، كان الاقتراض بين الأصدقاء أو الزملاء يُبنى على الثقة. والثقة، كما نعلم، تُهدم بسهولة. كثير من الناس يُقرضون أصدقاءهم أو موظفيهم عبر واتس آب، ويعتبرونها "مجرد محادثة". لكن هذه القضية تقول: لا. هذه ليست محادثة. هذه عقد.

الخبراء القانونيون يرون أن هذا الحكم سيكون مرجعاً لآلاف القضايا المستقبلية. في دولة مثل الإمارات، حيث يعيش أكثر من 80% من السكان من المغتربين، والرواتب تُدفع إلكترونياً، والمعاملات تُجرى عبر الهواتف — لم يعد من المقبول أن تقول: "ما كنتش ناوي أردّه". إذا كتبت: "سأردها بعد ما أقبض"، فأنت تُبرم عقداً.

التأثير على المجتمع والاقتصاد

النتيجة المباشرة؟ الناس سيبدأون يفكرون مرتين قبل أن يرسلوا رسالة مثل: "أقدر تدفعلي 5 آلاف؟". وربما سيبدأون يطلبون إقراراً مكتوباً، حتى لو كان عبر رسالة. لكن الأهم: المقرضون لن يخسروا بعد الآن. لن يضيعوا أموالهم لأنهم لم يوقعوا ورقة.

الشركات الصغيرة، والمستقلون، والموظفون الذين يُقرضون زملاءهم لسداد فواتير أو علاجات — كلهم الآن لديهم أداة قانونية قوية. لم تعد الحاجة لمحامٍ أو عقد رسمي. فقط رسالة واضحة، موثقة، ومُثبتة.

ما الذي سيحدث بعد هذا الحكم؟

من المتوقع أن تبدأ البنوك والشركات في تدريب موظفيها على كيفية توثيق المعاملات المالية عبر التطبيقات. وربما سيظهر تطبيقات جديدة مخصصة للقرض الشخصي، تُرسل تلقائياً إقراراً مكتوباً بعد كل تحويل. حتى أن بعض المحامين يقولون إنهم بدأوا يطلبون من عملائهم حفظ كل رسالة نصية تتعلق بمعاملة مالية — حتى لو كانت بسيطة.

الحكومة، من جهتها، قد تُعدّل الإرشادات الرسمية لتقديم الشكاوى، لتشجيع الناس على رفع صور الرسائل كجزء من الأدلة من البداية. هذا الحكم لم يُنهِ قضية واحدة. بل فتح باباً كاملاً للعدالة الرقمية.

ما الذي لم يُقال؟

التفاصيل الشخصية للمدعى عليها لم تُنشر. لم يُعرف إن كانت تعيش ظروفاً صعبة، أو إن كانت تعتقد أن المبلغ "هدية" أو "مُساعدة مؤقتة". لكن القانون لا يهتم بالدوافع. يهتم بالأدلة. وعندما تكتب: "سأردها"، فأنت تُحمّل نفسك التزاماً قانونياً — حتى لو لم تكن تعرف ذلك.

أسئلة شائعة

هل أي رسالة على واتس آب تصبح عقداً قانونياً؟

لا، ليست أي رسالة. يجب أن تكون واضحة، محددة، وتحتوي على إقرار صريح باستلام مبلغ وتعهد بعودته، مع إمكانية توثيق الهوية وتواريخ الرسائل. في هذه القضية، تم التأكد من أن الحسابات تعود للطرفين، وأن الرسائل لم تُعدّل، وهذا ما جعلها سندًا قانونيًا.

ماذا لو لم أكن أعرف أن الرسائل لها قيمة قانونية؟

الجهل بالقانون لا يعفي من المسؤولية. المحكمة لم تطلب من المدعى عليها أن تكون خبيرة قانونية، بل طلبت منها أن تلتزم بما كتبت. إذا قلت: "سأردها"، فأنت تُبرم التزاماً، حتى لو اعتقدت أنك تتحدث بسذاجة.

كيف أوثّق محادثاتي المالية على واتس آب لاستخدامها قانونياً؟

احفظ الرسائل كصور أو ملفات PDF مع تواريخها، واحرص على أن تكون هويات المرسل والمستقبل واضحة. لا تمسح المحادثات. في حال نزاع، يمكنك طلب توثيق فني من خبير معتمد من المحكمة — وهو ما فعلته هذه القضية، وأصبح معياراً مرجعيًا.

هل هذا الحكم ينطبق على كل دول الخليج؟

الإمارات هي الأولى في تطبيق هذا المبدأ بشكل صارم، لكن السعودية والكويت بدأتا تأخذان نفس الاتجاه. في دول أخرى، لا يزال الاعتماد على المستندات الورقية هو الأساس. لكن مع تطور القوانين، من المتوقع أن تُعتمد الرسائل كأداة إثبات في كل الدول خلال 3-5 سنوات.

ما الذي يجب أن أتجنبه إذا أردت أن أقرض صديقي عبر واتس آب؟

لا ترسل فقط: "أنا بدي 10 آلاف". كن دقيقاً: "أقرّ بأنك أرسلت لي 10,000 درهم بتاريخ 5 أبريل، وأتعهد بردّها قبل 5 مايو 2025". اكتب التاريخ، المبلغ، وموعد السداد. حتى لو كنت تعرف الشخص جيداً، هذا يحميك من سوء الفهم أو النسيان.

هل يمكن استخدام هذه الطريقة لرفع دعوى ضد شركة؟

نعم. في قضايا التأخير في الدفع أو التزامات غير مكتوبة، أصبحت رسائل واتس آب بين الموظف والمدير أو العميل والشركة أدلة قوية. مثال: موظف يُخبر مديره: "ما استلمت راتب مارس حتى الآن"، ويرد المدير: "سأحوله غداً". إذا لم يُحول، فهذه رسالة كافية لرفع دعوى.

3 التعليقات
  • adham zayour
    adham zayour

    يا جماعة، لو حد قالك "أنا بدي 5000" وانت ردت "خلّي بس ورايا"، بعدين تجي تقول "ما كنتش ناوي أردّه"، خلينا نكون صريحين: ده مش سذاجة، ده جريمة بس مُقنّعة بسذاجة. الواتساب مش لعبة، هو عقد رقمي. لو انت بتعمل معاملات مالية، خليك محترم، واحفظ الرسائل زي ما تحفظ فلوسك. مش عارف إزاي؟ افتح المحادثة، اضغط على "تصدير"، واحفظها كـPDF. خليك ذكي، مش مُفلس بعد كده.

  • Majd kabha
    Majd kabha

    القانون ما يشوفش النوايا، يشوف الأدلة. لو كتبت "سأردها"، فأنت عقدت مع نفسك وعندك إرادة. مش مشكلة في التكنولوجيا، مشكلة في الثقافة. الناس لسه بيعتبروا الرسائل نكتة. بس الواقع صار أقسى من أي عقد ورقي.

  • Mohamed Amine Mechaal
    Mohamed Amine Mechaal

    هذا الحكم يمثل تحولاً بنيوياً في البنية التحتية القانونية للعقود غير الرسمية، حيث تم تفعيل مبدأ "الإثبات الرقمي القابل للتوثيق" وفقاً لمعايير ISO/IEC 27037 و27041، مما يُعزز مصداقية السجلات الإلكترونية كأدلّة مُوثقة ضمن الإطار القانوني المدني الإماراتي. تحليل البيانات الرقمية المُستند إلى خوارزميات التحقق من السلاسل الزمنية وتوقيعات الهوية (Digital Forensics Chain of Custody) يُلغي الحاجة إلى التوثيق الورقي التقليدي، ويُعيد تعريف مفهوم "الإقرار الصريح" في السياقات الرقمية. هذا ليس فقط تطبيقاً قانونياً، بل هو انتقال حضاري من الاقتصاد الورقي إلى الاقتصاد التوافقي الرقمي.

أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول المطلوبة محددة*