قطر تنسحب من أوبك لتركز على الغاز الطبيعي وترفع إنتاجه إلى 110 ملايين طن سنوياً
في قرار صادم لم يُتوقع من دولة صغيرة لكنها تمتلك ثروة هائلة تحت الأرض، أعلنت قطر انسحابها من منظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك) اعتباراً من 1 يناير 2019. لم يكن القرار مفاجئاً من حيث التوقيت، لكنه كان صادماً من حيث الرمزية: دولة كانت من المؤسسين عام 1961، وتُعدّ من أبرز أعضاء المنظمة في التأثير الاستراتيجي، تقرر أن تُغلق باباً مفتوحاً منذ 57 عاماً... ليس لأنها تواجه أزمة، بل لأنها تُعيد تشكيل مستقبلها بالكامل. وراء هذا القرار؟ لا سياسة، كما يُصرّحون، بل غاز. غاز طبيعي مسال. وحقل واحد يُغيّر خريطة الطاقة العالمية.
لماذا الغاز وليس النفط؟
السبب ببساطة: النفط لم يعد هو الملك. الغاز هو الذي يُصعد على العرش. وفي مؤتمر صحفي عقد في مقر وزارة الطاقة بـالدوحة، أوضح سعد بن شريدة الكعبي، وزير الدولة لشؤون الطاقة، أن القرار جاء بعد دراسة استمرت ستة أشهر أجرتها اللجنة الاقتصادية العليا القطرية برئاسة الشيخ عبد الله بن حمد آل ثاني. الهدف؟ رفع إنتاج الغاز الطبيعي المسال من 77 مليون طن سنوياً إلى 110 ملايين طن بحلول 2024. هذا ليس تحسيناً طفيفاً، بل قفزة تجعل قطر في صدارة العالم، وربما تُعيد ترتيب توازنات السوق. ففي حين تنتج قطر حوالي 600 ألف برميل نفط يومياً — أي أقل من 2% من إنتاج أوبك — فإن احتياطياتها من الغاز الطبيعي تبلغ 24.7 تريليون متر مكعب، ثاني أكبر احتياطي في العالم بعد روسيا، وتشكل 13.1% من المخزون العالمي.
الانسحاب ليس انسحاباً كاملاً
هنا تأتي اللمسة الذكية: قطر لا تقطع جسورها. بل تُعيد تشكيلها. أكد الكعبي أن الانسحاب لا يعني التوقف عن التعاون مع أوبك، بل سيستمر في مجالات محددة تخدم المصالح المشتركة. هذا ليس تكتيكاً دبلوماسياً فقط، بل واقع اقتصادي. فحتى لو لم تعد قطر تلتزم بحصص إنتاج النفط التي تفرضها أوبك، فهي لا تزال تُصدر نفطاً، وتُشارك في أسواق عالمية، وتُحافظ على علاقات مع دول مثل السعودية والإمارات — حتى لو كانت العلاقات السياسية متوترة منذ الأزمة الخليجية التي انطلقت في يونيو 2017. لكن السؤال الأهم: هل أوبك تشعر بفقدان قطر؟ الجواب: لا. فإنتاجها الهامشية لا تُحدث فرقاً يُذكر. بينما تنتج السعودية وحدها 10 ملايين برميل يومياً، والإمارات 3 ملايين، فإن قطر تُنتج أقل من نصف ما تُنتجه دولة عربية واحدة. حتى خبراء أوبك في الرياض والإمارات لم يُبدوا قلقاً حقيقياً.
حقل الشمال: قلب التحول
القلب النابض لهذا التحول؟ حقل الشمال — أكبر حقل غاز في العالم، يمتد تحت البحر بين قطر وإيران، ويُنتج حالياً 80% من إنتاج قطر من الغاز. وبحسب التصريحات الرسمية، سيشهد هذا الحقل زيادة في الإنتاج بنسبة 43% خلال السنوات الست المقبلة. هذا يعني توسعة حقول جديدة، وبناء مصانع تسييل إضافية، وتطوير بنية تحتية لنقل الغاز عبر السفن إلى آسيا وأوروبا. وحين تُرفع الطاقة الإنتاجية، لن تكون قطر مجرد مُصدّر، بل مُنظّم. فمع تراجع الاعتماد على النفط في أوروبا، وصعود الطلب على الغاز النظيف في الصين والهند، أصبحت قطر في موقع مثالي لتصبح “السعودية الجديدة” في عالم الطاقة، لكن هذه المرة بالغاز.
التحالفات الجديدة: روسيا والصين وراء الستار
الخبراء يرون أن الانسحاب ليس مجرد خطوة داخلية، بل جزء من تحوّل جيوسياسي أوسع. وفقاً للخبير النفطي د. خالد الفاضل، فإن القرار يمهد لتحالفات جديدة، خاصة مع الشركات الروسية التي تمتلك خبرة هائلة في تسييل الغاز ونقله عبر خطوط أنابيب وسفن مبردة. روسيا، التي تُعدّ أكبر منتج للغاز في العالم، لديها مصلحة مباشرة في دعم قطر لمواجهة التحديات الأمريكية في أسواق الطاقة. وفي الخلفية، الصين — أكبر مستورد للغاز المسال — تُراقب بقلق شديد أي تغيير في توازنات العرض. فهل تُصبح قطر وروسيا والصين محوراً جديداً في سوق الطاقة، يُقلل من هيمنة أوبك؟ هذا ما يُفكر فيه المستثمرون الآن.
ما الذي تغيّر فعلاً؟
الإجابة القصيرة: لا شيء... تقريباً. الأسواق لم تهتز. أسعار النفط لم ترتفع أو تنخفض بشكل ملحوظ بعد الإعلان. لأن أوبك لا تعتمد على قطر في توازنها. لكن التغيير الحقيقي؟ هو في العقلية. قطر لم تعد ترى نفسها كعضو صغير في نادي نفطي، بل كلاعب رئيسي في عالم الغاز. وحين تُركّز على الغاز، فأنت لا تُنتج طاقة، بل تُصنع مستقبلاً. ففي عالم يسعى لخفض الانبعاثات الكربونية، الغاز هو الجسر بين النفط والفحم من جهة، والطاقة المتجددة من جهة أخرى. وقطر تلعب هذه اللعبة بذكاء.
الانسحاب: نهاية حقبة أم بداية جديدة؟
في عام 1961، انضمت قطر لأوبك لأنها كانت دولة نامية تحتاج إلى دعم منظمة تجمع الدول المنتجة. اليوم، هي دولة غنية، ذات بنية تحتية، ورؤية استراتيجية. لم تعد بحاجة لـ”أوبك“ لتُحدّد سعر نفطها، أو لتُبرّر سياساتها. بل أصبحت قادرة على تشكيل سوقها الخاص. وربما، في غضون عقد، لن نتحدث عن “أوبك” كقوة مطلقة، بل عن “أوبك + الغاز”، حيث تلعب قطر دوراً محورياً خارج المنظمة، لكنها لا تزال جزءاً من النظام.
أسئلة شائعة
كيف سيؤثر انسحاب قطر على أسعار النفط العالمية؟
تأثير قطر على أسعار النفط محدود جداً، إذ تُنتج فقط 600 ألف برميل يومياً، أي أقل من 2% من إنتاج أوبك. حتى بعد الانسحاب، لم تشهد الأسواق تقلبات جوهرية، لأن السياسات الرئيسية تُحدد من قبل السعودية والإمارات وروسيا. التغيير الأكبر سيكون في سوق الغاز، وليس النفط.
لماذا لم تنسحب قطر من أوبك قبل الآن؟
لأنها كانت بحاجة للحفاظ على التوازن السياسي في الخليج، ولأن إنتاجها النفطي لم يكن كافياً لاتخاذ قرار منفرد. لكن مع تطور حقل الشمال وزيادة الطلب العالمي على الغاز، أصبحت قطر قادرة على التحرر من قيود أوبك دون خسارة نفوذ. التوقيت كان محسوباً بدقة.
هل يمكن لقطر العودة إلى أوبك لاحقاً؟
نعم، لا يوجد شرط قانوني يمنع العودة. لكن المصلحة الاقتصادية الحالية لا تدعم ذلك. فبمجرد أن تُكمل قطر مشروعات الغاز الجديدة بحلول 2024، ستكون مصالحها متماشية مع أسواق الطاقة النظيفة، وليس مع سياسات أوبك التي تركز على النفط. العودة ستكون نادرة، وستحتاج لظروف جيوسياسية غير مرجحة.
ما تأثير هذا القرار على الدول العربية الأخرى؟
الدول العربية المنتجة للنفط، خاصة السعودية والإمارات، ترى القرار كتحذير: لا تُصبحوا مرتبطين بسياسات قديمة. وقد تُسرّع هذه الدول من تحولها نحو الغاز والطاقة المتجددة، خصوصاً مع مبادرة السعودية “رؤية 2030”. قطر تُظهر أن الصغر لا يعني الضعف، بل يمكن أن يكون ميزة استراتيجية.
كيف ستؤثر هذه الخطوة على سوق الغاز في آسيا؟
زيادة إنتاج الغاز القطري إلى 110 ملايين طن سنوياً ستُقلّل الاعتماد على روسيا وإيران، وتوفر للصين والهند وكوريا الجنوبية مصدراً مستقلاً ومستقرًا. هذا قد يُغيّر توازنات العقود طويلة الأجل، ويُقلّل من تأثير المفاوضات الجيوسياسية على أسعار الغاز، خاصة في ظل توترات بين الصين وإيران أو روسيا وأوروبا.
ما دور الولايات المتحدة في هذا التحول؟
الولايات المتحدة تدعم صعود الغاز الطبيعي المسال القطري، لأنه يُقلّل من هيمنة روسيا على أوروبا، ويُعزّز من صادرات الغاز الأمريكية. لكنها لا تتدخل مباشرة. قطر تُحقق مصالحها دون تبعية، وهذا ما يُثير إعجاب المستثمرين العالميين: دولة صغيرة تُدير استراتيجيتها بذكاء، بعيداً عن الضغوط الكبرى.
Majd kabha
القرار ليس انفصالاً، بل تحوّل ذكي. قطر لم تترك أوبك، بل نقلت مركز ثقلها إلى حيث تكمن القوة الحقيقية: الغاز. في عالم يتحول من الفحم والنفط إلى الطاقة النظيفة، الغاز هو الجسر الوحيد الذي لا يُفكّك. قطر تبني جسراً لا يُهدم، وليس فقط تُنتج غازاً.
الطاقة المستقبلية ليست في كمّية النفط، بل في توازن العرض، وقطر تفهم هذا أعمق من أي دولة عربية أخرى.
Mohamed Amine Mechaal
الانسحاب من أوبك يُعدّ تحوّلاً جيواقتصاديًا من المستوى الأول، يُعيد تشكيل هيكلية سوق الطاقة العالمي من خلال تفعيل مبدأ التخصيص الاستراتيجي للإمكانيات النسبية. قطر، بامتلاكها لحقل الشمال، تُمارس تكتيك التحوّل من كونها منتجًا هامشيًا للنفط إلى كونها منظّمًا رئيسيًا للغاز الطبيعي المسال، مما يُعزّز مرونتها في مواجهة التقلبات الطلبية والعرضية، خصوصاً في ظل تزايد الطلب الآسيوي وانحسار الاعتماد الأوروبي على مصادر الطاقة التقليدية.
هذا التحوّل يُمثّل نموذجاً متكاملاً للاقتصاد المعرفي القائم على الموارد، وليس مجرد استخراج.
Nefertiti Yusah
يا جماعة، دولة صغيرة تخرج من نادي كبير وتقول: أنا مش محتاجة حضوركم، أنا أصنع المستقبل من تحت البحر.
والله لو ما سمعت هالقصة، كنت أظنها فيلم هوليوودي.