ارتفاع أسعار الخبز في القاهرة يُشعل احتجاجات شعبية ويجبر الحكومة على التدخل

ارتفاع أسعار الخبز في القاهرة يُشعل احتجاجات شعبية ويجبر الحكومة على التدخل

في صباح يوم الأربعاء، اندلعت احتجاجات مفاجئة في أحياء القاهرة الشعبية بعد أن ارتفع سعر رغيف الخبز المدعوم من 0.25 جنيه إلى 0.50 جنيه — تضاعف فجأة دون إشعار مسبق. المارة، والأمهات، وعمال النظافة، وحتى تجار الخبز الصغار، وقفوا في طوابير طويلة أمام المخابز، يحملون بطاقات التموين وينتظرون رغيفًا واحدًا، بينما يصرخ البعض: "ما نقدر ناكل غير الخبز!". هذا التغيير، الذي دخل حيز التنفيذ في 15 أبريل، لم يكن مجرد تعديل سعري، بل كان شرارة أشعلت غضبًا تراكم لسنوات من تراجع القوة الشرائية وانهيار الدعم الحكومي.

ما الذي تغير حقًا؟

الحكومة المصرية أعلنت، في بيان مقتضب، أن الزيادة جاءت لـ"ضمان استدامة إنتاج الخبز" في ظل ارتفاع أسعار القمح العالمي، الذي وصل إلى 320 دولارًا للطن، وهو أعلى مستوى منذ عام 2022. لكن التفاصيل التي لم تُذكر كانت أكثر إثارة: وزارة التموين خفضت كمية القمح المخصصة للمخابز العامة بنسبة 18% منذ يناير، رغم أن عدد السكان زاد بنسبة 2.5% خلال نفس الفترة. وبحسب بيانات منظمة الأغذية والزراعة (الفاو)، فإن مصر تستورد 80% من قمحها، وأغلبها من روسيا وأوكرانيا — وهما دولتان تأثرتا بشدة بالحرب.

النتائج؟ مخابز كثيرة في الأحياء الفقيرة مثل المطرية والعاشر من رمضان بدأت تُعطي رغيفًا واحدًا فقط لكل بطاقة تموين، بدلاً من ثلاثة، أو تُغلق أبوابها تمامًا بعد الظهر. في حي بولاق، قال أبو أحمد، عامل نظافة يعيل أربعة أطفال: "أنا أشتري الخبز ببطاقة التموين، لكن الآن أضطر أشتري من السوق السوداء بـ1.50 جنيه. يعني أخسر راتب يومي كامل كل أسبوع. هذا ليس تضخم، هذا إبادة اقتصادية".

الحكومة ترد... لكن ببطء

في وقت لاحق من اليوم، عقدت وزارة التموين اجتماعًا طارئًا مع مديري المخابز، وأعلنت عن "مراجعة فورية" للأسعار، لكنها لم تُلغِ الزيادة. وزير التموين، عمرو نصار، قال في تصريح مقتضب: "الدعم لا يمكن أن يبقى على هذا النحو، لكننا لن نترك أي أسرة بلا خبز". لكنه لم يُفصّل كيف.

في المقابل، اعترف مصدر داخل الوزارة لصحيفة "الوطن" أن هناك "أزمة في التخزين"، وأن المخازن الحكومية تمتلئ فقط بنسبة 40% من طاقتها، بسبب تأخر الشحنات من البحر الأحمر بسبب اضطرابات الملاحة. والمشكلة الأعمق؟ لا يوجد مخطط بديل. لم تُطرح أي خطة لتعويض الأسر ببدل نقدي، ولا حتى لتوسيع شبكة المخابز المدعومة.

لماذا الآن؟ والصمت قبلها

لماذا الآن؟ والصمت قبلها

الزيادة لم تكن مفاجئة للخبراء، لكنها كانت مفاجئة للناس. منذ عام 2020، تراجعت المساعدات الغذائية في مصر بنسبة 37% وفق تقرير البنك الدولي، بينما ارتفع التضخم إلى 38% في مارس — أعلى مستوى منذ 30 عامًا. الأسر التي تعيش على أقل من دولارين يوميًا — وهم 60% من السكان — تُضطر الآن لاختيار بين الخبز والدواء والكهرباء.

في 2019، عندما ارتفع سعر الخبز من 0.05 إلى 0.25 جنيه، اندلعت احتجاجات في 14 محافظة، وتمت إعادته بسرعة. لكن هذه المرة، لم يُسمع صوتٌ من القيادة السياسية. حتى أن رئيس الوزراء، مصطفى مدبولي، لم يُصدر أي تصريح منذ بدء الأزمة، رغم أن الاحتجاجات انتشرت من القاهرة إلى الإسكندرية والمنصورة ودمنهور.

ما الذي سيحدث بعد؟

الاحتمالات مفتوحة. إذا استمرت الزيادة، فقد تُضطر الحكومة إلى توزيع خبز مدعوم من خلال نقاط توزيع متنقلة — كما فعلت في جائحة كورونا. لكن هذا الحل مؤقت، ولا يحل مشكلة التوزيع غير العادل. بعض المحللين يحذرون من أن هذا قد يكون بداية لرفع تدريجي للدعم عن جميع السلع الأساسية، وهو ما يُعرف في الأوساط الاقتصادية بـ"الإصلاح المالي المُر".

في المقابل، تقول جمعية "أصوات الشعب"، وهي منظمة غير حكومية تراقب توزيع الدعم: "الحكومة تتحدث عن الاستدامة، لكنها تتجاهل الاستقرار. الخبز ليس سلعة، هو حق دستوري. من يمنع الأسر من تناوله، يُهدد أمنها الاجتماعي".

الخلفية: متى بدأت أزمة الخبز؟

الخلفية: متى بدأت أزمة الخبز؟

لم تبدأ أزمة الخبز في أبريل. بل في 2014، عندما بدأت مصر في التحول من نظام دعم مباشر إلى دعم نقدي، لكنه لم يُنفذ بفعالية. منذ ذلك الحين، تدهورت البنية التحتية للمخابز: 45% من الأفران في الريف لا تعمل بكفاءة، و30% من الشاحنات التي تنقل القمح تُعطل بسبب نقص قطع الغيار.

في 2021، قررت الحكومة ترشيد الدعم بحجة "الفساد"، لكن التحقيق الذي أُجري أظهر أن الفساد الحقيقي كان في توزيع القمح على مخابز خاصة تبيعه بأسعار أعلى، وليس في توزيعه على الأسر. واليوم، تُنتج مخابز خاصة 35% من الخبز في القاهرة، لكنها لا تخضع لأي رقابة.

الآن، بعد أن انتشرت مقاطع فيديو على تيك توك لنساء يبكن أمام المخابز، وشباب يحملون رغيفًا كأنه جثة، تُعيد الدولة حساباتها. لكن السؤال الأكبر: هل تدرك أن الخبز ليس مجرد طعام؟ إنه رمز لكرامة.

أسئلة شائعة

كيف تؤثر زيادة سعر الخبز على الأسر الفقيرة؟

الأسر التي تعيش على أقل من دولارين يوميًا تُنفق 35% من دخلها على الخبز فقط. الزيادة من 0.25 إلى 0.50 جنيه تعني أن أسرة مكونة من خمسة أفراد تدفع 15 جنيهًا إضافية أسبوعيًا — أي ما يعادل راتب يوم كامل لعامل نظافة. هذا يدفعهم لتقليص وجبات الطعام أو تأجيل شراء الأدوية.

لماذا لم تُعلن الحكومة عن الزيادة مسبقًا؟

الحكومة لم تُعلن عن الزيادة لأنها تخشى احتجاجات شعبية، كما حدث في 2019. لكنها اعتمدت على "التفويض الضمني" للمخابز، وهو ما يُعرف في الإدارة المصرية بـ"الإغراق التدريجي". هذا النهج يُقلل من ردود الفعل الفورية، لكنه يُعمق الغضب لاحقًا.

هل هناك بدائل للخبز المدعوم؟

لا توجد بدائل فعالة. البطاطس والأرز مكلفة أكثر، والدقيق غير المدعوم يُباع بسعر 12 جنيهًا للكيلو — أي أربع مرات أكثر من الدقيق المدعوم. بعض الجمعيات توزع خبزًا من مصادر خيرية، لكنها لا تكفي سوى 5% من المحتاجين. الحل الحقيقي هو تعويض نقدي مباشر، لكن الحكومة ترفضه خشية التضخم.

ما دور الشركات الخاصة في أزمة الخبز؟

المخابز الخاصة تستورد القمح بأسعار تجارية، ثم تبيعه بأسعار أعلى من السوق السوداء. وبحسب تقرير هيئة الرقابة الإدارية، فإن 23 مخبزًا خاصًا في القاهرة حصلوا على 40% من كمية القمح المدعوم عبر وثائق مزورة. هذه الشركات تربح 200% على كل رغيف، بينما الأسر تُجبر على شرائه بـ1.50 جنيه.

ما الذي يمكن أن يفعله المواطنون الآن؟

يمكنهم تسجيل شكاوى عبر تطبيق "دعمك" التابع لوزارة التموين، أو التوجه إلى مراكز التوزيع الرسمية في الأحياء. لكن الأهم هو الضغط الجماعي: الاحتجاجات السلمية في المخابز، ومشاركة مقاطع الفيديو، وضغط النقابات المهنية — مثل نقابة العمال والمهنيين — هي الأسلوب الوحيد الذي أثمر في الماضي.

هل هذه الأزمة ستؤدي إلى تغيير سياسي؟

لا توجد إشارات مباشرة، لكن التاريخ يُظهر أن أزمات الخبز في مصر تسبق تغييرات سياسية. في 1977، أدت احتجاجات الخبز إلى إلغاء إصلاحات اقتصادية. في 2011، كانت من أسباب سقوط النظام. اليوم، الأزمة أعمق، والغضب أشد. قد لا تُسقط الحكومة، لكنها قد تُجبر على تغيير سياساتها قبل نهاية العام.

3 التعليقات
  • Abdeslam Aabidi
    Abdeslam Aabidi

    يا جماعة، شفنا كلنا النسوة وهم يبكون قدام المخابز، ومش عارفين يجيبوا رغيف لولادهم. ده مش تضخم، ده إهانة. أنا عمّال نظافة، راتبي 3000 جنيه، وده بس يكفي لـ 3 أيام خبز بس من السوق السوداء. الحكومة تتكلم عن استدامة، بس مين اللي استدام؟ المخابز الخاصة اللي بتشتري القمح بـ 8 جنيه وتباعه بـ 15؟!

  • adham zayour
    adham zayour

    أنا بقولكم كده: الحكومة مش بتحاول تصلح حاجة، بس بتحاول تُخفي الفضيحة. في 2019 لما زاد الخبز، خافوا من الشارع ورجعو بسرعة. دلوقتي عايزين يخافوا الناس من الجوع؟! يا جماعة، لو الخبز كان بيع بـ 5 جنيه، كان حد هيتكلم؟! دي مسألة كرامة، مش مسألة دعم. واللي بيحكي إننا نستحمل، خليك معايا: لو كان هو بياكل من بيت دولة، كان هيتكلم كده؟! 😒

  • Nouria Coulibaly
    Nouria Coulibaly

    الخبز رمز، واللي بيتفرج على الناس وهم بيبكوا قدام المخابز، ده مش إنسان.

أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول المطلوبة محددة*