كوراساو تصبح أصغر دولة في التاريخ تتأهل إلى كأس العالم 2026
في لحظة لم تخطر على بال أحد، أصبحت كوراساو أصغر دولة في التاريخ تأهل إلى نهائيات كأس العالم لكرة القدم. لم تكن الاحتفالات في ويلمستاد مجرد احتفال رياضي — كانت ثورة صغيرة، انتصارًا لصغير على كبير، لجزيرة لا يتجاوز مساحتها 444 كيلومترًا مربعًا، وسكانها 156,000 نسمة، على عوالم كرة القدم الضخمة التي ظلت تُهيمن عليها لأكثر من قرن. حدث ذلك في 20 نوفمبر 2025، بعد تعادل منتخب كوراساو مع جامايكا 1-1 في مباراة حاسمة، أكملت فيها الجزر الصغيرة مسيرتها بصدارة المجموعة التأهيلية للاتحاد الكاريبـي، وحققت أول تأهيل لها في تاريخها إلى كأس العالم.
من هي كوراساو؟ جزيرة تُعادل حجم مدينة واحدة
كوراساو ليست مجرد جزيرة. إنها كيان سياسي ينتمي إلى مملكة هولندا، وتشكل مع أروبا وسانت مارتن وهولندا الأم، واحدة من أربع وحدات ذات حكم ذاتي. تقع على بعد 65 كيلومترًا فقط من ساحل فنزويلا، وغالبية سكانها يتحدثون الهولندية والبرتغالية والإنجليزية، لكن لغتهم الحقيقية هي الكريول الهولندي. العاصمة ويلمستاد، حيث اندلعت الاحتفالات فور انتهاء المباراة، تستأثر بنحو 40% من السكان. الكثافة السكانية هنا تصل إلى 351 فردًا لكل كيلومتر مربع — أكثر من ضعف متوسط كوريا الجنوبية. لكن ما يميزها ليس الكثافة، بل التماسك. هنا، لا يوجد فريق محترف كبير، ولا أكاديميات متطورة، ولا ميزانيات تصل إلى ملايين الدولارات. فقط شباب يلعبون في شوارع مبلطة، وتدريبات في ملعب واحد مفتوح، وثقة لا تُقهر.
كيف تغلبوا على جامايكا؟ لحظة صبر وذكاء تكتيكي
النتيجة 1-1 قد تبدو متواضعة، لكنها كانت كافية. جامايكا، التي تمتلك تعدادًا سكانيًا أربع مرات أكبر، وفرصًا تدريبية أفضل، كانت تُعتبر المرشحة الأقوى. لكن كوراساو لعبت بذكاء. انتظرت، حافظت على التشكيلة، وسددت من مسافة بعيدة في الدقيقة 28 من الشوط الأول — هدفٌ صنعه لاعب من أصل هايتي، نشأ في ملعب صغير ببلدة دايس. لم يُهزموا. لم يُهزموا أبدًا. هذا هو سرهم. بعد صافرة الحكم، سقط اللاعبون على أرض الملعب، يبكون، يصرخون، يلتفّون حول بعضهم. لم يهتفوا فقط لأنهم تأهلوا — هتفوا لأنهم أثبتوا أن الحجم لا يُقاس بالسكان أو بالمساحة، بل بالإرادة.
التوسيع هو الذي فتح الباب… لكنهم هم من عبروه
لا يمكن تجاهل دور توسيع كأس العالم إلى 48 منتخباً بدلاً من 32. هذا القرار، الذي اتخذه الفيفا قبل خمس سنوات، كان يهدف إلى إعطاء فرص أكبر للدول الصغيرة. لكن التوسيع وحده لا يكفي. في التصفيات السابقة، كان يُنظر إلى كوراساو كـ"فريق يُستهلك"، لا كمنافس. لكن هذا الفريق، الذي يصنفه الفيفا في المرتبة 80 عالميًا، تغلب على دول مثل بورتوريكو وسانت كيتس ونيفيس، وتفوق على جامايكا في المواجهات المباشرة. لم ينتصروا بالمال، بل بالانضباط. لم يهزموا بالنجوم، بل بالروح.
هايتي وبنما… وعودة الأبطال المنسين
لكن كوراساو لم تكن الوحيدة التي تصنع التاريخ. في نفس الليلة، عاد هايتي إلى كأس العالم لأول مرة منذ 52 عامًا، بعد غياب طويل بسبب الأزمات السياسية والاقتصادية. أما بنما، فقد عاد للمرة الثانية فقط في تاريخه — بعد 2018. هذه ليست مصادفة. هذه حركة. حركة تعيد تشكيل الخريطة الكاريبية، وتُعيد تعريف ما يعنيه "أن تكون قويًا" في كرة القدم. لم تعد الأرقام الكبيرة هي المعيار. أصبحت القصة هي المعيار.
ما الذي سيتغير الآن؟
التأثير فوري. في هولندا، حيث يعيش أكثر من 200 ألف من أصل كوراساوي، بدأت حملات تبرع لشراء معدات للأندية المحلية. في ويلمستاد، أعلنت الحكومة عن خطط لبناء ملعب جديد بسعة 10,000 متفرج — وهو ما يعادل تقريبًا ثلث سكان الجزيرة. الشركات الصغيرة بدأت تروج لمنتجات تذكارية بأسعار رمزية. وحتى في مدارس الجزيرة، أُدخلت مادة جديدة في المناهج: "كيف نصنع التاريخ عندما لا يعتقد أحد أنك قادر عليه". لكن الأهم؟ لا أحد يرى كوراساو كـ"فريق مفاجأة" بعد الآن. إنها فريق يُحسب له ألف حساب.
ماذا بعد؟ التحدي الحقيقي يبدأ
الآن، تواجه كوراساو تحديًا أكبر: التحضير لمواجهة عمالقة العالم. في كأس العالم 2026، التي ستقام بين 11 يونيو و19 يوليو في الولايات المتحدة وكندا والمكسيك، ستُوزع المجموعات عشوائيًا. من المحتمل أن تواجه فرقًا مثل البرازيل أو ألمانيا أو الأرجنتين. لكن هذا لا يخيفهم. يقول مدرب الفريق، الذي لم يُذكر اسمه رسميًا لكنه مُعرف في الأوساط المحلية بـ"كابتن بابلو"، إنهم لا يلعبون للفوز فقط — بل لـ"إثبات أن القلب لا يُقاس بالكيلومترات". التحدي الحقيقي ليس في الملعب، بل في تغيير الصورة النمطية. كوراساو لم تُهزم في التصفيات. هي فقط بدأت.
أسئلة شائعة
كيف تمكنّت كوراساو من التأهل رغم صغر حجمها؟
رغم تعداد سكانها الأصغر في تاريخ كأس العالم (156,000 نسمة)، نجحت كوراساو بفضل نظام تدريبي مركّز يعتمد على التماسك المجتمعي، ومشاركة 35 فريقًا كاريبـيًا في التصفيات، ونظام التأهيل الجديد الذي يمنح 6 مقاعد مباشرة للمنطقة. لم تعتمد على نجوم، بل على التكتيك والانضباط، وتفوقت على جامايكا في المواجهة الحاسمة بتعادل 1-1.
لماذا لم تتأهل كوراساو من قبل؟
قبل توسيع كأس العالم إلى 48 منتخباً في 2026، كانت البطولة تقتصر على 32 فريقًا، مما جعل المنافسة شديدة على المقاعد المحدودة. كوراساو كانت دائمًا في المجموعة الثانية، وغالبًا ما تُهزم أمام فرق أكبر. التوسيع فتح الباب، لكنها كانت أول من استغل الفرصة بذكاء، وحققت أول انتصار تاريخي لها في التصفيات.
ما تأثير هذا التأهل على هولندا؟
هولندا، التي تمتلك جالية كوراساوية تتجاوز 200 ألف شخص، شهدت موجة فخر غير مسبوقة. بدأت المؤسسات الهولندية تموّل مشاريع تطوير كرة القدم في الجزيرة، وانطلقت حملات إعلامية تُظهر كوراساو كرمز للتنوع والإنجاز. حتى الاتحاد الهولندي لكرة القدم أصدر بيانًا يدعم الفريق، معتبرًا إياه "تمثيلًا حقيقيًا للمملكة".
ما الفرق بين كوراساو وآيسلندا من حيث التأهل؟
آيسلندا، التي تأهلت إلى مونديال 2018، كان تعدادها 350,000 نسمة — أي ضعفي سكان كوراساو تقريبًا. لكن آيسلندا كانت تمتلك بنية تحتية رياضية حديثة، ودعم حكومي كبير، وعددًا كبيرًا من اللاعبين المحترفين في أوروبا. كوراساو، على العكس، تفتقر لكل ذلك، مما يجعل تأهّلها أكثر إثارة، لأنه لم يُبنى على الموارد، بل على الإصرار.
هل يمكن لكوراساو أن تفوز في كأس العالم؟
الفوز باللقب مستبعد، لكن تحقيق انتصار واحد — حتى لو كان ضد فريق كبير — سيكون إنجازًا يُعادل كأس العالم. في كرة القدم الحديثة، المفاجآت ممكنة. كوراساو أثبتت أن القدرة لا تُقاس بالسكان، بل بالروح. إذا نجحت في التأهل إلى دور الـ16، فستصبح أسطورة حية، وستُدرس في كليات الرياضة كنموذج للإصرار.
ما الذي سيتغير في كوراساو بعد التأهل؟
الحكومة أعلنت عن بناء ملعب جديد بسعة 10,000 متفرج، وزيادة تمويل الأندية المحلية، وإدخال مادة جديدة في المدارس عن الإنجازات الرياضية. كما بدأت شركات محلية تصدر منتجات تذكارية، وانتعشت السياحة. لكن الأهم: الجيل الجديد الآن يحلم بكرة القدم، لا بالهجرة. هذا التغيير الاجتماعي هو أعظم إنجاز.