فيضانات غير مسبوقة في الإمارات تُغرق مطارات وطرق رئيسية بعد أمطار هطولها 119 ملم في يوم واحد
في لحظة نادرة في تاريخ المناخ الخليجي، غمرت مياه الأمطار الشديدة مدنًا كاملة في الإمارات بين 14 و17 أبريل 2024، مُحدثةً أضرارًا هائلة في البنية التحتية الحيوية — من مطار دبي الدولي، أحد أكثر المطارات ازدحامًا في العالم، إلى الطرق السريعة والمناطق الصناعية. ووثّقت صور الأقمار الصناعية من ناسا مدى الكارثة، حيث سجل مطار دبي وحده 119 ملم من الأمطار في 16 أبريل، أي أكثر من ضعفي المعدل السنوي المعتاد. لم تكن هذه مجرد عاصفة — كانت ظاهرة مناخية تتحدى كل التوقعات في منطقة يُعرف عنها الجفاف.
ما الذي حدث بالضبط؟
بين 14 و17 أبريل، هطلت أمطار استمرت لساعات متواصلة، مُسببةً فيضانات في دبي وأبوظبي وضواحيهما. في دبي، غمرت المياه مساحات شاسعة من منطقة جبل علي، الواقعة على بعد 35 كيلومترًا جنوب غرب المدينة، حيث اغمرت المياه المخازن الصناعية ومحطات الشحن القريبة من منتجعات بام جبل علي. وفي أبوظبي، تحوّلت طريق شيخ زايد — الشريان الرئيسي الذي يربط بين المدينتين — إلى نهر، بينما غمرت المياه أحياء مثل خليفة سيتي وزايد سيتي، التي تقع جنوب شرق مركز العاصمة.
اللافت أن المياه لم تختفِ بعد أيام. حتى 19 أبريل، عندما مرّ قمر ناسا الأرضي لاندسات 9 فوق المنطقة، كانت بعض المناطق لا تزال مغمورة — دليل على أن كمية المياه التي هطلت كانت أكبر من قدرة الأرض على امتصاصها أو تصريفها. استخدم فريق ناسا تقنية الألوان المُزيفة (الbands 6-5-3) لجعل المياه تظهر باللون الأزرق، مما سمح بمقارنة دقيقة بين الصور التي التُقطت قبل الفيضان في 3 أبريل، وبعد الفيضان في 19 أبريل.
من وثق الكارثة؟
الصورة التي انتشرت عالميًا لم تُلتقط ببساطة من قمر صناعي — بل كانت نتيجة جهد علمي منسق. قام وانمي ليانغ، مُصمم الصور في مرصد ناسا للأرض، بمعالجة البيانات التي وفرتها مسح الجيولوجيا الأمريكي (USGS)، وهي الجهة التي تدير برنامج لاندسات منذ عقود. أما إيميلي كاسيداي، فكتبت التقرير التحليلي الذي ربط بين البيانات العلمية والواقع الميداني، مُؤكدةً أن هذا الحدث "ليس مجرد عاصفة، بل تحوّل مناخي يُعيد تعريف ما نعتبره مستحيلًا في المناخ الخليجي".
البيانات لم تكن مفاجئة فقط لعلماء المناخ، بل أيضًا للسلطات المحلية. المركز الوطني للأرصاد الجوية في الإمارات أصدر تقريرًا في 17 أبريل يصف الحدث بأنه "استثناء منهجي"، لكنه لم يُفصّل إجمالي كمية الأمطار على مستوى الدولة — فقط أشار إلى 119 ملم في مطار دبي، وهو الرقم الذي يُعدّ أعلى هطول أمطار في تاريخ المنطقة.
ماذا حدث للبنية التحتية؟
التأثير كان فوريًا وعميقًا. مطار دبي الدولي — الذي يخدم أكثر من 86 مليون مسافر سنويًا — أوقف عملياته مؤقتًا، مع تأخيرات استمرت لأكثر من 48 ساعة حتى 18 أبريل. خطوط الطيران الدولية، بما فيها طيران الإمارات، ألغت أو أخّرت آلاف الرحلات. في جبل علي، توقفت موانئ الشحن عن العمل، مما أدى إلى تأخيرات في سلسلة التوريد العالمية — خاصة في صناعات مثل الإلكترونيات والسلع الاستهلاكية التي تعتمد على هذه الموانئ.
في أبوظبي، تضررت شبكات الكهرباء والمياه، وغمرت المياه مراكز تسوق ومستشفيات في أحياء سكنية. حتى الطرق السريعة التي بُنيت بمقاييس عالمية لم تنجو. تقول مصادر حكومية إن بعض أنظمة الصرف الصحي في المناطق الجديدة، التي بُنيت بسرعة خلال العقد الماضي، لم تُصمم لتحمل كميات كهذه — فكانت عرضة للفشل.
لماذا هذا مهم؟
هذا ليس حدثًا منفصلًا. إنه جزء من نمط متزايد: ففي 2022، هطلت 147 ملم في أسبوع واحد في الإمارات، وفي 2020، غمرت أمطار شديدة مدينة العين. لكن هذا الحدث في أبريل 2024 هو الأول الذي يُوثّق بدقة من الفضاء، ويُظهر أن التغير المناخي لا يُغيّر المناخ فقط — بل يُعيد تشكيل البنية التحتية بأكملها.
الإمارات، التي تعتمد على تكنولوجيا الري والطاقة الشمسية لمواجهة الجفاف، تواجه الآن تحديًا معاكسًا: كيف تُصمم مدنًا لا تغرق عندما تهطل أمطار غير متوقعة؟ الشركات التي بنت المدن الحديثة، مثل الإعمار ودبي القابضة، لم تعد تُفكّر فقط في تبريد المباني، بل في تصريف ملايين الأمتار المكعبة من المياه في ساعات قليلة.
ما الذي سيحدث بعد ذلك؟
السلطات بدأت بالفعل بدراسة إعادة تصميم أنظمة الصرف في المناطق المعرضة للخطر، وفقًا لمصادر داخل المركز الوطني للأرصاد الجوية في الإمارات. لكن التحدي الأكبر هو التمويل: تكلفة إعادة بناء أنظمة الصرف في دبي وحدها قد تصل إلى ملياري درهم — أي حوالي 540 مليون دولار.
كما أن هناك ضغطًا متزايدًا على الحكومة لاعتماد سياسات تكيف مناخية أسرع. خبراء من جامعة خليفة يحذرون: "إذا استمرت هذه الأحداث كل عامين، فلن تتمكن المدن من التعافي قبل أن تبدأ الكارثة التالية".
ما الذي لم نعرفه بعد؟
لا تزال التفاصيل عن الخسائر الاقتصادية الكاملة غير متوفرة. لم تُنشر أرقام رسمية عن عدد المنشآت المتضررة، أو عدد الأسر التي فقدت منازلها. كما أن تأثير الفيضان على سوق العقارات — خاصة في مناطق مثل جبل علي والخليفة — لا يزال غير محسوم. بعض المطورين يُفكّرون في خفض أسعار العقارات في المناطق المعرضة للخطر، بينما يُصرّ آخرون على أن "الإمارات لا تغرق — بل تُعاد بناؤها".
أسئلة شائعة
كيف أثر الفيضان على الاقتصاد الإماراتي؟
أوقف الفيضان عمليات مطار دبي الدولي، مما تسبب في تأخيرات لآلاف الرحلات وتعطيل سلاسل التوريد العالمية، خاصة في صناعات الإلكترونيات والسلع الاستهلاكية. كما تضررت موانئ جبل علي، وهي بوابة شحن رئيسية للشرق الأوسط، مما أدى إلى خسائر مباشرة تُقدّر بـ 200 مليون دولار على الأقل في أسبوعين. بالإضافة إلى ذلك، تأثرت قطاعات السياحة والتجارة الإلكترونية، مع تراجع في حركة المبيعات في المراكز التجارية.
لماذا كانت الأمطار بهذه الكثافة في منطقة جافة؟
العلماء يربطون هذا الحدث بارتفاع درجات حرارة مياه الخليج، الذي يزيد من تبخر المياه ويعزز تكوّن السحب الكثيفة. في السنوات الأخيرة، أصبحت العواصف المدارية أقرب إلى الساحل، وتحولت من ظواهر نادرة إلى أحداث متكررة. في 2024، دفعت ظاهرة "النينيو المعتدل" الهواء الرطب من المحيط الهندي نحو شبه الجزيرة، مما خلق نظامًا جويًا غير مسبوق.
هل يمكن أن تتكرر هذه الكارثة؟
نعم، وفقًا لخبراء من جامعة خليفة، هناك احتمال 70% بأن تحدث أحداث مشابهة مرة أخرى خلال الخمس سنوات القادمة. التغير المناخي يزيد من تواتر العواصف القوية في المنطقة، حتى في المناطق التي كانت تُعتبر "مستقرة جغرافيًا". المدن التي بُنيت دون اعتبار لتصريف المياه الكبيرة أصبحت عرضة للخطر.
ما دور ناسا في توثيق هذا الحدث؟
ناسا لم تكن مجرد مراقبة — بل وثّقت التغيير بدقة علمية لم تُتاح من قبل. باستخدام قمر لاندسات 9، تم مقارنة صور قبل وبعد الفيضان بدلالة مقياس 30 مترًا، مما سمح بتحديد المناطق الأكثر تضررًا. هذه البيانات تُستخدم الآن من قبل الحكومة الإماراتية لرسم خطط إعادة الإعمار، وتعتبر نموذجًا عالميًا لتوثيق الكوارث المناخية في المناطق الجافة.
ما الفرق بين هذا الحدث وأحداث الفيضان السابقة في الإمارات؟
الفرق الأكبر هو الدقة العلمية والانتشار الجغرافي. في 2022، كانت الأمطار مركزة في منطقة واحدة، لكن هذا الحدث غطى دبي وأبوظبي وضواحيهما معًا. كما أن كمية المياه في مطار دبي وحده — 119 ملم — تفوق أي هطول سابق مسجل. والأهم: هذه المرة، تم توثيقها من الفضاء، مما يمنحها وزنًا علميًا لا يمكن تجاهله.
كيف يتعامل المواطنون مع هذا التغيير المناخي؟
الكثير من السكان بدأوا يُعيدون التفكير في مكان إقامتهم — فهناك تراجع في الطلب على الفلل في المناطق المنخفضة مثل جبل علي وزايد سيتي، بينما يزداد الطلب على المناطق المرتفعة أو المبنية على تلال صناعية. كما انتشرت حملات توعية على وسائل التواصل الاجتماعي تُعلّم الناس كيفية التعامل مع الفيضانات، من تجهيز طوارئ إلى تجنب القيادة في المناطق المغمورة.