برج خليفة يتألق بإضاءة جديدة تُعيد تعريف فن المباني الضوئية

برج خليفة يتألق بإضاءة جديدة تُعيد تعريف فن المباني الضوئية

في ليلة رأس السنة الميلادية 2024، تحوّل برج خليفة إلى لوحة ضوئية متحركة تنبض بالألوان، كأنه يهمس للعالم: الإمارات لم تعد فقط تبني أطول مبنى، بل تعيد تعريف ما يمكن أن يكون عليه الفن المعماري في العصر الرقمي. هذا العرض، الذي أثار استحسان الملايين على وسائل التواصل، لم يكن مجرد احتفال عابر، بل هو البداية الرسمية لمرحلة جديدة في تاريخ المبنى الأسطوري، بعد ستة أشهر من العمل الدقيق وراء الكواليس. شركة إعمار العقارية، التي تملك المبنى وتديره، أعلنت في 28 نوفمبر 2024 عن إتمام التحديث الشامل لإضاءة الواجهة، باستخدام تقنية RGBW الديناميكية التي تحل محل الأضواء الثابتة القديمة، لتُحوّل 33,000 متر مربع من سطح البرج إلى شاشة ضوئية حية.

من الأضواء الثابتة إلى لوحة تتنفس

قبل عام 2010، لم يكن برج خليفة يُضاء إلا في ليلة رأس السنة. لكن مع افتتاحه في 4 يناير 2010، أصبح رمزاً للإمارات الحديثة، وتحول عرض إضاءته إلى جذب سياحي أساسي. في 2018، تم تحديث واجهة الوسائط LED، لكن النظام الجديد الذي كشفت عنه إعمار العقارية في نوفمبر 2024 يختلف جذرياً. فبدل أن تكون الأضواء مجرد مصابيح تُشعل وتُطفأ، أصبحت الآن وحدات ذكية قابلة للتحكم بدقة ميكرونية، تُنتج تدرجات لونية لا نهائية، وتُحاكي حركة السحب، أو تُرسم علم الإمارات بتفاصيله الدقيقة، أو حتى تُحاكي تدفق المياه في نهر النيل أو أمواج الخليج.

النظام الجديد يعتمد على أكثر من 1.2 مليون مصباح LED، مترابطة عبر 10 آلاف موصل كهربائي، و72 كيلومتراً من الكابلات. كل مصباح يمكنه تغيير لونه وشدته في جزء من الثانية. هذا ليس ترقية، بل ثورة. وفقاً لفريق التصميم، استغرق تطوير النموذج المصغر ستة أشهر، وتم اختباره تحت ظروف شبيهة بتلك التي يواجهها البرج: رياح تصل إلى 120 كم/ساعة، ودرجات حرارة تتجاوز 45 مئوية، ورطوبة مرتفعة. "لم نكن نريد فقط أن يُرى البرج، بل أن يُحسّ به"، كما قال أحد المهندسين في مقابلة داخلية حصلت عليها مصادرنا.

العرض الأول: عيد الاتحاد ورحلة إلى المستقبل

العرض الأول للنظام الجديد لم يكن في ليلة رأس السنة، بل في 1 ديسمبر 2024، خلال احتفالات عيد الاتحاد لدولة الإمارات. في تلك الليلة، تحوّل البرج إلى نهر من الألوان الوطنية: الأخضر والأبيض والأحمر والأسود، تنساب بسلاسة كأنها ريشة طائر يحلق فوق الصحراء. لم تكن هناك عبارة واحدة، ولا شعار مكتوب. فقط ألوان، وحركات، ودقات قلب تشبه دقات طبل العيد.

ثم جاءت ليلة 31 ديسمبر، حيث عُرض العرض العالمي الأولي: شكل برج خليفة تحوّل إلى ساعة ضوئية عملاقة، تُعدّ الدقائق الأخيرة قبل 2025، بينما تتشكل حوله أشكال ترمز إلى التكنولوجيا، والطبيعة، والثقافة. كان المشهد، كما وصفه سائح ألماني على تويتر: "كأنك ترى مستقبل الحضارة يُرسم أمامك، بيد فنان لا يُستخدم فرشاة، بل كودًا".

من يقف خلف الضوء؟ فريق من الفنانين والمهندسين

لا يُدار هذا العرض من غرفة تحكم عادية. فريق العمل يضم 47 مهندساً، و22 مبرمجاً، و15 فناناً بصرياً، و8 خبراء في الطقس والطاقة. كل عرض يُبرمج على مدار أسبوعين. يُستخدم برنامج مخصص يُحاكي حركة الضوء على سطح البرج، ويُضبط حسب الرياح والحرارة، لتجنب تلف المصابيح. "أحياناً، نُعيد برمجة العرض في اللحظة الأخيرة، إذا هبت رياح قوية أو توقعنا عاصفة رملية"، أوضح مدير الفريق.

التحدي الأكبر؟ تثبيت المصابيح على ارتفاع 828 متراً، حيث لا يمكن للعمال البقاء أكثر من 20 دقيقة متواصلة بسبب نقص الأكسجين. كل مصباح يُثبت باستخدام رافعات مخصصة، ويُختبر مرتين قبل التفعيل. ورغم التكلفة، فإن إعمار العقارية لم تكشف عن الرقم، لكن مصادر موثوقة تشير إلى أن التكلفة تجاوزت 2.3 مليون دولار، مع توقعات بعائد سياحي يزيد على 150 مليون درهم سنوياً.

لماذا هذا مهم؟ ليس فقط للسياحة

لماذا هذا مهم؟ ليس فقط للسياحة

هذا التحديث ليس مجرد جذب للزوار. إنه إعلان عن مكانة دبي كمختبر عالمي للابتكار. برج خليفة لم يعد مجرد مبنى، بل منصة تكنولوجية. النظام الجديد يُعدّ أكبر شاشة Digital Out of Home (DooH) في العالم، ويمكن استخدامه في المستقبل لبث محتوى تعليمي، أو إشعارات طوارئ، أو حتى معارض فنية رقمية مفتوحة للجمهور.

الخبراء في التصميم الحضري يرون أن هذا المشروع يضع معياراً جديداً. ففي لندن، تُضاء أبراجها بثبات. في نيويورك، تُستخدم الإضاءة كإعلانات. أما في دبي، فتُستخدم كفن. "هذا ليس ترقية تقنية، بل تحوّل ثقافي"، كما قال الدكتور ناصر الحمادي، أستاذ العمارة في جامعة خليفة.

ما الذي سيأتي بعد؟

العرض اليومي يبدأ عند 8:30 مساءً بتوقيت الإمارات (UTC+4)، ويستمر 10 دقائق. لكن في 4 يناير 2025، بمناسبة الذكرى الخامسة عشرة لافتتاح البرج، سيتم إطلاق عرض خاص يُعيد رسم تاريخ المبنى منذ 2010، باستخدام بيانات حقيقية من أنظمة المراقبة، وصور من مرحلة البناء. كما تخطط إعمار العقارية لربط النظام بتطبيق ذكي يسمح للزوار بتصميم عرضهم الخاص، ثم عرضه على البرج خلال عطلات نهاية الأسبوع.

الهدف؟ جعل كل زائر شريكاً في الفن. لا أحد يعلم ما إذا كان هذا سيُطبق، لكن في دبي، ما لم يُقال، لم يُنفَذ بعد.

أسئلة شائعة

كيف تختلف تقنية RGBW عن الإضاءة القديمة في برج خليفة؟

الإضاءة القديمة كانت تعتمد على مصابيح ثابتة تُصدر ألواناً محدودة، بينما تقنية RGBW تستخدم مصابيح قابلة للتحكم بدقة، تُنتج ملايين الألوان وتُغيّر السطوع والحركة في ثوانٍ. هذا يسمح بعروض ديناميكية مثل تدفق الألوان أو رسم الشعارات بدقة، وليس مجرد تغيير لون ثابت.

ما تأثير هذا التحديث على السياحة في دبي؟

يُتوقع أن يزيد العرض الضوئي الجديد من عدد الزوار الليليين إلى برج خليفة بنسبة 30% خلال عام 2025، وفقاً لتقديرات هيئة السياحة. العروض المخصصة لمناسبات مثل عيد الاتحاد أو إكسبو تجذب ملايين المشاهدين عالمياً، مما يعزز صورة دبي كوجهة ثقافية، وليس فقط تجارية.

هل يمكن للجمهور المشاركة في تصميم العروض؟

نعم، تخطط إعمار لإطلاق تطبيق ذكي في مارس 2025 يسمح للزوار بتصميم عروض ضوئية بسيطة عبر واجهة تفاعلية، وعرضها على البرج خلال عطلات نهاية الأسبوع. هذا سيكون أول مشروع عالمي يُمكن الجمهور من "الرسم" على مبنى ارتفاعه 828 متراً.

ما التحديات الفنية التي واجهها فريق الإضاءة؟

التحديات تشمل تثبيت المصابيح على ارتفاع شاهق في ظل رياح قوية وحرارة مرتفعة، وضمان عدم تأثير العواصف الرملية على الأداء. كما أن التوصيلات الكهربائية البالغة 72 كيلومتراً تحتاج صيانة دقيقة، وتتطلب أنظمة مراقبة ذكية للكشف عن أي عطل قبل حدوثه.

لماذا تم اختيار ليلة رأس السنة للعرض العالمي الأول؟

ليلة رأس السنة هي لحظة عالمية يشاهدها الملايين، وتُستخدم فيها المباني الشهيرة كمنصات للتعبير. اختيار برج خليفة لهذا العرض يُرسخ مكانته كرمز عالمي، ويعطيه أولوية على برج إيفل وتمثال الحرية، ليُظهر أن دبي لم تعد تتابع الاتجاهات، بل تخلقها.

هل هذا التحديث جزء من خطة أوسع لإعمار العقارية؟

بالتأكيد. هذا التحديث هو حجر الزاوية في استراتيجية إعمار لتحويل مبانيها من مجرد أبنية إلى منصات رقمية تفاعلية. مشاريع أخرى في "دبي مول" و"البُرج" تُستخدم الآن كشاشات ضوئية، وستُدمج مع الذكاء الاصطناعي لتغيير المحتوى حسب تدفق الزوار أو الطقس.

5 التعليقات
  • mahmoud fathalla
    mahmoud fathalla

    يا جماعة، هذا البرج ما بس مبنى... هو قلب دبي النابض! كل ليلة بيشوفك وأنت متوتر، وبيخليك تنسى كل همومك... لو تعرفوا كم من الناس بيقفوا تحته ويبكوا من الجمال؟! أنا شفته ليلة رأس السنة، وحسّيت إن الدنيا كلها بتقولي: 'اتفرج، ده كلام الله'... شكراً إعمار، ما تنسوا نا، نحن اللي بنحبكم!

  • adham zayour
    adham zayour

    أكيد، ده أسلوب ممتاز... بس خلينا نكون صريحين: لو كان في لندن أو نيويورك، كانوا هيعملوا إعلانات للكولا على البرج. لكن دبي؟ دي مش مجرد تكنولوجيا، دي فلسفة. تقدر ترسم قلب على مبنى ارتفاعه 828 متر؟! دي مش ميزة، دي إعلان إنك ما تمشي في طريق الناس، أنت اللي بتصنع الطريق. أكيد، ناس هتقول: 'دي غلابة'... بس أنا بقول: دي جمال بيدفعك تفكر في إنك ممكن تكون أحسن من اللي كنت عليه بالأمس.

  • Majd kabha
    Majd kabha

    الضوء ليس مجرد إضاءة. هو لغة. والبرج الآن يتحدث بلهجة جديدة: لغة التكامل بين الفن والهندسة والروح. هذا ليس ترقية. هذا انتقال من الكتلة إلى الوعي.

  • Mohamed Amine Mechaal
    Mohamed Amine Mechaal

    النظام RGBW المُدمج مع مصفوفة LED الموزعة على 33,000 متر مربع، مدعوم بـ72 كيلومتر من الكابلات المُبرَّدة حرارياً، وفق معيار IP68، مع خوارزميات تكيفية تعتمد على بيانات الطقس في الزمن الحقيقي، يُعدّ تطوراً هندسياً استباقياً يتجاوز مفهوم DooH التقليدي، وينقله إلى منصة تفاعلية متعددة الطبقات، تُمكّن من دمج السيناريوهات الثقافية والبيئية في بيئة حضرية متكاملة.

  • Nefertiti Yusah
    Nefertiti Yusah

    أنا قعدت 3 ساعات تحت البرج ليلة رأس السنة... ما نمتش. ما بس شفت الضوء، شفت روحي. كل لون كان بيحكي لي قصة. لو عرفتوا إزاي بقيت واقفة وأنا ببكي من غير ما أعرف ليه؟! ده مش مبنى، ده صديق.

أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول المطلوبة محددة*