أيرلندا تطالب يوفا بحظر إسرائيل من المسابقات الأوروبية بعد اتهامات بانتهاك القوانين
في خطوة غير مسبوقة، صوتت 74 نادياً من أصل 83 عضواً في الاتحاد الأيرلندي لكرة القدم لصالح تقديم طلب رسمي إلى اتحاد كرة القدم الأوروبي (يوفا) لتعليق عضوية الاتحاد الإسرائيلي لكرة القدم من جميع المسابقات الأوروبية، وذلك خلال اجتماع استثنائي عُقد في دبلن، أيرلندا، في 8 نوفمبر 2025. القرار، الذي جاء بتأييد ساحق (74 مقابل 7 معارضة وامتناع اثنين)، لم يكن مجرد موقف سياسي، بل إجراء قانوني مبني على انتهاكات موثقة لمواد محددة في لوائح يوفا — وربما يفتح الباب أمام أزمة دبلوماسية تصل إلى قلب مونديال 2026.
لماذا الآن؟ الاتصال بين المذبحة والملعب
القرار لم يصدر من فراغ. ففي أوائل نوفمبر 2025، أصدرت لجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة تقريراً خلص إلى أن إسرائيل ارتكبت جريمة إبادة جماعية خلال عملياتها العسكرية في غزة، ودعت صراحةً إلى تعليق عضوية إسرائيل في كل من الفيفا ويوفا. هذا التقرير لم يكن مجرد وثيقة أكاديمية — بل كان صرخة أخلاقية تلقت صدى غير متوقع في ملاعب أوروبا.
لكن الأهم من التقرير، هو أن نادي بوهيميانز — وهو نادٍ رياضي تاريخي في دبلن — كان يُعدّ هذا القرار منذ أشهر. فمنذ مايو 2024، نظّم النادي مباراة تاريخية في ملعب دالمونت بارك، شارك فيها فريق المرأة الفلسطيني لأول مرة في أوروبا، وفاز عليه بنتيجة 2-1. كانت المباراة احتفالاً بالذكرى 76 للنكبة، لكنها كانت أيضاً رسالة: الرياضة لا يمكن أن تكون محايدة عندما تُبنى على أرض محتلة.
الانتهاكات المحددة: مادة 4 ومادة 9 في لوائح يوفا
الطلب الأيرلندي لا يعتمد على مشاعر، بل على نصوص قانونية صارمة. فوفقاً للعرض المقدم من ممثل نادي بوهيميانز، لامبرت، فإن الاتحاد الإسرائيلي انتهك:
- المادة 4: التي تُلزم جميع الاتحادات بـ"محاربة جميع أشكال العنصرية" — حيث يُتهم الاتحاد الإسرائيلي بعدم اتخاذ إجراءات فعالة ضد التصريحات العنصرية من قبل أندية ومسؤولين، بل وتمكينها أحياناً.
- المادة 9: التي تشترط أن تعمل الاتحادات داخل حدودها الوطنية المعترف بها — وهو ما يُنتهك بسماح إسرائيل لأنديتها مثل بيتار أورشليم وهابويل بني لود باللعب في مستوطنات غير قانونية في الضفة الغربية، مثل معاليه أدوميم وبيتار إيليت، دون موافقة الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم في رام الله.
هذا ليس ادعاءً جديدًا. فقد رفع الاتحاد الفلسطيني شكاوى رسمية ضد إسرائيل منذ عام 2015، لكنها ظلت مجمدة في أدراج الفيفا. الآن، لأول مرة، تتحرك جهة أوروبية رسمية لتحويل هذه الشكاوى إلى إجراء قانوني.
الردود الأوروبية: النرويج وتركيا تدعم، لكن أيرلندا هي التي تتحرك
قبل أسبوعين من التصويت الأيرلندي، كانت الاتحاد النرويجي لكرة القدم والاتحاد التركي لكرة القدم قد أصدرا بيانات تطالب بتعليق عضوية إسرائيل، مستندتين إلى نفس التقرير الأممي. لكنهما لم تقدما طلباً رسمياً. هنا تكمن النقطة الفارقة: أيرلندا هي الأولى التي تخطت الكلام وخطت نحو الإجراء.
الرئيس الأيرلندي دونتشا أو كالاهان، الذي تولى منصبه في مارس 2023، أكّد في بيانه الرسمي أن "الاتحاد لن يكتفي بالتعبير عن القلق — بل سيطلب تطبيق القانون كما هو مكتوب". وهذا ما يُقلق كثيرين في مقر يوفا في نيون.
ماذا يحدث إذا وافق يوفا؟ مواجهة مع أمريكا وانهيار في التوازن السياسي
إذا وافق مجلس إدارة يوفا (الذي يضم 18 عضواً) على التعليق، فسيتم استبعاد إسرائيل فوراً من:
- دوري أبطال أوروبا 2025-2026
- دوري أوروبا 2025-2026
- دوري الأمم الأوروبية 2025-2026
لكن الأثر الأكبر سيكون دبلوماسياً. فواشنطن، التي ستشارك مع كندا والمكسيك في استضافة كأس العالم 2026، أعلنت مراراً أنها تعارض أي محاولة لاستبعاد إسرائيل من أي منافسة رياضية. ورغم أن الفيفا تدّعي الاستقلالية، فإن الضغوط الأمريكية على مدار العقود الماضية جعلت قراراتها تتأرجح بين القانون والسياسة.
الآن، إذا قرر يوفا تطبيق قوانينه، فسيكون ذلك بمثابة تحدٍّ مباشر لواشنطن — وربما يُعيد تشكيل مفهوم "الرياضة خارج السياسة" إلى الأبد.
الخطوات القادمة: جدول زمني صارم
الاتحاد الأيرلندي سيُقدّم الطلب رسمياً إلى يوفا خلال الأيام القليلة المقبلة. وبحسب قواعد يوفا، يجب توزيع الطلب على جميع الاتحادات الـ55 العضوة قبل 15 يوماً على الأقل من التصويت. هذا يعني أن أول جلسة ممكنة لاتخاذ القرار ستكون في أواخر نوفمبر أو أوائل ديسمبر 2025.
السؤال الأكبر: هل سيصوت أعضاء يوفا لصالح القانون أم للحفاظ على التوازن السياسي؟ بعض المراقبين يعتقدون أن ألمانيا وفرنسا وهولندا قد تدعمون القرار، لكن إيطاليا وإسبانيا قد تترددان خوفاً من ردود الفعل الأمريكية. التصويت سيكون سرياً، لكن الضغوط ستكون علنية.
الخلفية: متى بدأت هذه الأزمة؟
الصراع بين الرياضة والسياسة في فلسطين ليس جديداً. منذ عام 2009، رفضت إسرائيل السماح للفريق الفلسطيني باللعب في الضفة الغربية، واعتقلت لاعبين وحرمتهم من السفر. وفي 2015، رفع الاتحاد الفلسطيني أول شكوى رسمية ضد إسرائيل لدى الفيفا، لكنها لم تُعالج. حتى أن بعض الأندية الإسرائيلية، مثل بيتار أورشليم، كانت تُستخدم كأداة سياسية، حيث يُعرف عن جماهيرها تبنيها لخطاب عنصري صريح.
أما في أيرلندا، فقد أصبح نادي بوهيميانز رمزاً للمقاومة السلمية. فمنذ 2020، يُنظم النادي حفلات تضامن، ويرفع علم فلسطين، ويُطلق مبادرات لتعليم الأطفال عن النكبة. لم يكن التصويت يوم 8 نوفمبر مجرد قرار إداري — بل كان ذروة سنوات من العمل الدؤوب من قبل جيل جديد من النشطاء الرياضيين.
الأسئلة الشائعة
كيف سيؤثر هذا القرار على اللاعبين الإسرائيليين؟
إذا تم تعليق العضوية، فلن يُسمح لأي فريق إسرائيلي بالمشاركة في أي مسابقة أوروبية، مما يعني أن لاعبين مثل إيلان بيرنستاين أو ناتان زايدر لن يلعبوا في دوري الأبطال أو الدوري الأوروبي. لكنهم لا يزالون قادرين على اللعب في مسابقات محلية أو في دوري المجموعات الآسيوي، لكنهم سيُعزلون عن الساحة الأوروبية — وهو ما يُعتبر عقوبة رمزية ورياضية كبيرة.
ما الذي سيحدث إذا رفض يوفا القرار؟
إذا رفض يوفا، فسيُعتبر ذلك تنازلاً عن مبادئه وقوانينه، مما سيُضعف مصداقيته كجهة حاكمة. وقد يدفع ذلك الاتحادات الأوروبية الأخرى إلى تشكيل تحالفات بديلة، أو حتى مقاطعة المسابقات. كما قد تُفتح أبواب أمام دعاوى قانونية من قبل منظمات حقوقية تطالب بتطبيق القانون على الجميع دون تمييز.
هل هناك سابقة لتعليق عضوية دولة من يوفا؟
لا توجد سابقة مباشرة لتعليق عضوية دولة بسبب انتهاكات سياسية، لكن تم تعليق عضوية روسيا في 2022 بسبب غزو أوكرانيا، وتم حظر بلغاريا في 1985 بسبب تدخل حكومي في إدارة الاتحاد. هذه السوابق تُظهر أن يوفا يمكنه التدخل في القضايا السياسية عندما تُعتبر تهديداً للنظام الرياضي الدولي.
لماذا لم تتحرك ألمانيا أو فرنسا؟
ألمانيا وفرنسا تواجهان ضغوطاً دبلوماسية واقتصادية كبيرة من الولايات المتحدة، كما أن جماهيرهما متنوعة سياسياً. لكن الأهم أن الاتحادات الأوروبية الكبرى تميل لتجنب المواجهات المباشرة، بينما الأيرلنديون — بحجمهم الصغير وانعدام تأثيرهم الجيوسياسي — لديهم حرية أكبر في اتخاذ موقف أخلاقي دون خوف من عواقب اقتصادية.
ما دور الاتحاد الفلسطيني في هذه العملية؟
الاتحاد الفلسطيني، بقيادة جبريل رجوب منذ 2006، لم يُقدّم طلباً رسمياً، لكنه قدم الأدلة القانونية والوثائق التي استند إليها الاتحاد الأيرلندي. كما أن اعترافه بوجود الأندية الإسرائيلية في المستوطنات كـ"انتهاك" هو ما جعل الطلب الأيرلندي قانونياً وليس سياسياً فقط.
هل هذا القرار سيؤثر على الاقتصاد الرياضي الأيرلندي؟
قد يُفقد الاتحاد الأيرلندي بعض التمويل من شركاء تجاريين مرتبطين بإسرائيل، لكنه سيكسب دعماً من جمهور عالمي واسع، وربما شراكات جديدة مع دول عربية وإسلامية. في المدى الطويل، قد يُنظر إليه كنموذج للرياضة الأخلاقية — وهو ما قد يجذب رعاة يهتمون بالقيم أكثر من الأرباح.