ولي عهد رأس الخيمة يشارك في مسيرة تراثية ببطين السمحة احتفالاً بعيد الاتحاد الـ54
في أول ديسمبر 2025، امتلأت شوارع بطين السمحة في رأس الخيمة بألوان العلم الوطني، وصوت الطبول، ورائحة القهوة العربية، بينما مشى الشيخ محمد بن سعود بن صقر القاسمي، ولي عهد الإمارة، بين أبناء شعبه في مسيرة تراثية لم تكن مجرد عرض للهوية، بل رسالة صامتة: الاتحاد لا يُحتفل به فقط، بل يُعاش كل يوم. لم تكن المسيرة حدثاً عابراً، بل جسراً يربط بين الماضي العريق والمستقبل الطموح، وسط توجيهات حاكم الإمارة بتسديد ديون 1435 مواطناً، كأنه يقول: نحتفل بولادتنا الجماعية، فلنُخلص من عبء الديون التي تثقل كاهل أبنائنا.
المسيرة التراثية: عندما تصبح الشوارع متحفاً مفتوحاً
لم تكن المسيرة مجرد تجمع، بل عرض حي لتراث لا يُقرأ في الكتب، بل يُلمس. شارك فيها مئات المشاركين بزيّهم التقليدي، وأطفال يحملون أعلاماً صغيرة، ورجال يقودون جياداً، ونساء يرددن أهازيج تراثية قديمة. وعندما وصل الشيخ محمد بن سعود إلى نقطة التجمع، نزل من سيارته، وعانق كبار السن، وطلب من طفلة أن تمسك يده، ثم سار معها خطوات قليلة — لحظة بسيطة، لكنها نقلت رسالة أكبر من أي خطاب: القيادة لا تُقاس بمسافات، بل بلمسات.
المنطقة، التي تقع على مشارف رأس الخيمة، تُعرف بارتباطها العميق بالتراث البحري والبرّي. هنا، كانت قبائل البدو تلتقي قبل قرون، والتجار يحملون التوابل من الهند، والغوص يُمارَس تحت شمس الخليج. اليوم، تحوّلت إلى مسرح للذاكرة الوطنية. لم يُستخدم مكبر صوت واحد. فقط صوت الأقدام، والطبل، والهتافات: "الله، الوطن، الخليفة".
توجيهات الحاكم: مساعدة ملموسة في زمن الاحتفال
لكن الاحتفال لم يقتصر على الرموز. في نفس اليوم، أصدر صاحب السمو الشيخ سعود بن صقر القاسمي، عضو المجلس الأعلى وحاكم رأس الخيمة، توجيهاً غير مسبوق: إعفاء 1435 مواطناً من مديونياتهم، بقيمة إجمالية تجاوزت 2.3 مليون درهم. لم تكن هذه مجرد مبادرة اجتماعية، بل خطوة استراتيجية. ففي ظل ارتفاع تكاليف المعيشة، كانت هذه المديونيات تُعيق أسرة بعد أسرة من الاستثمار، أو بدء مشروع صغير، أو حتى إرسال أبنائها للدراسة.
قالت هبة فطاني، المدير العام للمكتب الإعلامي لحكومة رأس الخيمة، في تصريح حصري: "هذا التوجيه هو ترجمة فعلية لرؤية سموه بأن الاحتفال الحقيقي لا يكون بالشعارات، بل بالحلول التي تُغيّر حياة الناس يومياً."
قمة "بريدج" وصورة الإمارة على الخريطة العالمية
وفي وقتٍ واحد، كان المكتب الإعلامي لحكومة رأس الخيمة يشارك في النسخة الافتتاحية من قمة "بريدج"، التي عُقدت في دبي، بحضور مسؤولين من 32 دولة. الهدف؟ ليس فقط الترويج للسياحة، بل إعادة تعريف الإمارة كوجهة جوهرية للعمل والاستثمار. لم يُعرض فيها تاريخها فقط، بل نماذج نجاحها في الطاقة المتجددة، والاقتصاد الرقمي، والتعليم المبتكر.
في جلسة بعنوان "الصغيرة التي تُغيّر العالم"، عرضت رأس الخيمة مشروعها لتحويل مصانعها القديمة إلى مراكز ذكية للتصنيع، باستخدام الطاقة الشمسية. وفجأة، لم تعد الإمارة تُعرف فقط بقلعتها التاريخية أو شواطئها، بل بقدرتها على التحول.
لماذا الأول من ديسمبر وليس الثاني؟
السؤال الذي يطرحه كثير من المتابعين: لماذا تبدأ الاحتفالات في الأول من ديسمبر، بينما يُحتفل بعيد الاتحاد رسمياً في الثاني؟ الجواب بسيط: لأن الاحتفال الحقيقي يبدأ قبل اللحظة الرسمية. في الأول، يخرج الناس إلى الشوارع، يلتقي الأهل، يُذكّر الصغار بأجدادهم. في الثاني، تُرفع الأعلام على المباني، وتُلقى الخطابات، وتُعزف النشيد الوطني. الأول هو للشعب، الثاني للدولة.
وهو ما يفسّر لماذا شارك ولي العهد في المسيرة، بينما كان حاكم الإمارة يُشرف على التوجيهات الرسمية — توزيع أدوار، لا تفرقة.
الإمارة التي لم تُنسَ
في زمن تُسيطر فيه أبوظبي والشارقة على عناوين الأخبار، تظل رأس الخيمة صامتة، لكنها فاعلة. لم تُبنى مدنها من فراغ، بل من إرادة. لم تُستثمر أراضيها لأنها واسعة، بل لأنها مُخطّطة. وعندما تُعلن عن إعفاء 1435 مواطناً، فهذا ليس تبرعاً، بل استثماراً في رأس المال البشري.
تُعد رأس الخيمة من أصغر الإمارات، لكنها من أكثرها كفاءة في إدارة الموارد. فبينما تُهدر بعض الإمارات الملايين على معارض، تُنفق رأس الخيمة على قروض مُعفاة، ومشاريع تعليمية، ودعم للمرأة في ريادة الأعمال. هذا التوازن هو ما يصنع الاستقرار.
ما الذي سيأتي بعد الاحتفال؟
الخطوة القادمة؟ تأسيس متحف متنقل للتراث البحري، يجوب مدارس الإمارة، ويُعرض فيه أدوات الغوص القديمة، وأدوات صنع السفن، وأصوات البحارة من أربعينيات القرن الماضي. ومشروع آخر: منح 50 منحة دراسية للطلاب الذين خرجوا من دائرة الديون، لدراسة التكنولوجيا الخضراء.
الاحتفال لا ينتهي مع آخر طبل. يبدأ حين يُبنى مستقبل من ذكريات.
أسئلة شائعة
كيف تؤثر مبادرة إعفاء الديون على الاقتصاد المحلي؟
إعفاء 1435 مواطناً من ديون بقيمة 2.3 مليون درهم يُحرّر نحو 12% من دخلهم الشهري، ما يُمكنهم من إنفاقه في قطاعات أخرى مثل التعليم والصحة والتجارة الصغيرة. هذا يُحفّز الدورة الاقتصادية، ويقلل من الاعتماد على القروض الاستهلاكية، وهو ما يُقلّل الضغط على البنوك المحلية.
لماذا اختيرت منطقة بطين السمحة للمسيرة التراثية؟
بطين السمحة هي أحد أقدم المناطق في رأس الخيمة، وكانت محطة تجارية وثقافية منذ قرون. تقع قرب الساحل، وتُعرف بوجودها التاريخي للقبائل البدوية والغواصين. اختيارها ليس عشوائياً، بل رسالة أن التراث ليس مجرد مبنى، بل أرض وناس وذاكرة.
ما العلاقة بين قمة "بريدج" واحتفالات عيد الاتحاد؟
قمة "بريدج" ليست حدثاً منفصلاً، بل جزء من استراتيجية رأس الخيمة لربط الهوية الوطنية بالجاذبية الاقتصادية. فبينما تحتفل الدولة باتحادها، تُظهر الإمارة أنها ليست فقط جزءاً من هذا الاتحاد، بل مُساهم فعّال في تشكيل مستقبله — عبر الاستثمار، والابتكار، والانفتاح.
هل هذه الاحتفالات تختلف عن السنوات السابقة؟
نعم. في السنوات السابقة، ركزت الاحتفالات على العروض العسكرية والزينة. لكن هذا العام، ركّزت رأس الخيمة على الجانب الإنساني: إعفاء الديون، والتعليم، والتراث الحي. التغيير يعكس رؤية جديدة: الاحتفال لا يكون بالزينة، بل بالعدل.
من هم الأشخاص الرئيسيون في هذه الاحتفالات؟
الشخصان الأساسيان هما: الشيخ محمد بن سعود بن صقر القاسمي، ولي العهد، الذي يُمثل الجيل الجديد من القيادة، والشيخ سعود بن صقر القاسمي، حاكم الإمارة، الذي يُمثل الاستقرار والرؤية الطويلة المدى. هما مكملان: أحدهما يُحيي الماضي، والآخر يبني المستقبل.
ما تأثير هذه الاحتفالات على سمعة رأس الخيمة دولياً؟
الصورة التي تُرسلها رأس الخيمة الآن — تراث حي، قيادة إنسانية، واقتصاد مبتكر — تُغيّر التصورات القديمة التي تربطها فقط بالسياحة الرخيصة. مشاركتها في قمة "بريدج" ونجاحها في جذب استثمارات أوروبية وآسيوية، تُثبت أنها لم تعد "إمارة صغيرة"، بل نموذج يُحتذى به في التوازن بين الأصالة والحداثة.