صدور النتائج الأولية للانتخابات العراقية: تصدر السوداني ومقاطعة الصدر تُعيد رسم المشهد السياسي
في مشهد سياسي لم يُرَ مثله منذ 2003، تصدر ائتلاف الإعمار والتنمية (المعروف رسمياً باسم ائتلاف السيادة) نتائج الانتخابات البرلمانية العراقية التي جرت في 11 نوفمبر 2025، بينما غاب عن الصندوق أكثر من مليوني ناخب شيعي بسبب مقاطعة مقتدى الصدر، زعيم التيار الصدري. النتائج الأولية، التي أعلنتها المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في بغداد يوم 13 نوفمبر، كشفت أن الائتلاف الذي يقوده محمد شياع السوداني، رئيس الوزراء الحالي، حصل على 411,026 صوتاً في بغداد وحدها — رقم يفوق أي كتلة منذ عقد. لكن الخلفية ليست انتصاراً تقليدياً. إنها فراغٌ يُعاد تشكيله بقوة.
الصمت الانتخابي في مدينة الصدر
في حيّ الشورجة، حيث تُعلّق صور مقتدى الصدر على كل جدار، لم يُسمع صوت صندوق اقتراع يوم الاثنين. في كربلاء، وفي النجف، وفي بغداد الشرقية، كان السكون أقوى من أي خطاب. الدعوة إلى المقاطعة، التي أطلقها الصدر في 9 نوفمبر، قبل يومين فقط من الانتخابات، لم تكن مجرد بيان. كانت إعلاناً عن انهيار الثقة في النظام السياسي ككل. "لم يعد البرلمان مكاناً للحوار، بل للاستعراض"، قال أحد المتطوعين في مسجد ببغداد، وهو يُمسك بقائمة أسماء الناخبين التي لم تُستخدم. وفقاً لتحليلات معهد الدوحة للدراسات العليا، فإن التيار الصدري كان يملك قاعدة شعبية تقدر بـ2 مليون ناخب في بغداد وحدها — أي ما يعادل 18% من إجمالي المصوتين. غيابهم لم يكن تفصيلاً. كان هبوطاً في سقف المشاركة.
النتائج: السوداني يتصدر، والحلبوسي يحتل المرتبة الثانية
في بغداد، حصل ائتلاف الإعمار والتنمية على 411,026 صوتاً، بينما جاء حزب تقدم بقيادة محمد الحلبوسي (53 عاماً) ثانياً بـ284,085 صوتاً. لم يكن هذا مفاجئاً — فالحلبوسي، الذي كان رئيس البرلمان حتى يونيو 2024، بقي يبني تحالفات تحت الأرض. أما ائتلاف دولة القانون بقيادة نوري كامل المالكي (75 عاماً)، فحل ثالثاً بـ228,244 صوتاً، وهو أقل مما توقعه مراقبوه. لكن المفاجأة الحقيقية كانت في كربلاء: حيث تصدر ائتلاف الإعمار والتنمية بـ78,379 صوتاً، بينما احتل ائتلاف إشراقة كانون المرتبة الثالثة، ما يشير إلى صعود كتل جديدة تتجاوز الولاءات التقليدية. في القادسية، لم يختلف المشهد كثيراً — نفس الترتيب، نفس الفجوة بين المتصدرين والبقية.
النظام يُعيد تشكيل نفسه… لكن من دون أحد
الانتخابات لم تُجرَ في فراغ. بل في ظلّ مخاوف أمنية، وانهيار في الخدمات، وانقسامات داخلية بين الكتل الشيعية نفسها. منظمة بدر وحركة الصادقون — المرتبطتان بميليشيات مسلحة — حصلا معاً على أقل من 250 ألف صوت في بغداد، أي أقل مما حصل عليه ائتلاف عزم العراق بقيادة خميس الخنجر. هذا لا يعني ضعف الميليشيات، بل تراجع نفوذها الانتخابي. فالمواطن لم يعد يُقاس بسلاحه، بل بحاجته للخبز والكهرباء. وعندما يُغيب أكبر كتلة شيعية من المعادلة، يصبح التحالف بين الكتل الأخرى أكثر تعقيداً. هل يتحالف السوداني مع الحلبوسي؟ هل يُجبر المالكي على الدخول في تحالف مع من حاربهم سابقاً؟
ما الذي ينتظر العراق بعد 15 يوماً؟
المادة 76 من الدستور العراقي تنص على أن تشكيل الحكومة يجب أن يُنهى قبل 30 نوفمبر 2025. لكن هذه المرة، لا أحد يعرف من سيجلس على طاولة التفاوض. فـائتلاف الإعمار والتنمية لا يملك الأغلبية المطلقة — فقط 115 مقعداً تقريباً من أصل 329. وبدون التيار الصدري، لن تُشكل أي حكومة بشرعية واسعة. حتى لو توصلوا إلى اتفاق، فهل سيقبل الشعب به؟ هل سيُقبل على التصويت في الانتخابات القادمة؟ أم سيُصبح الاحتجاج السلمي هو السبيل الوحيد؟
التحدي الأكبر: من يُمثّل الشعب الآن؟
النتيجة الأهم ليست في الأرقام، بل في السؤال: من يُمثّل الشعب العراقي اليوم؟ محمد شياع السوداني يقول إنه "منفتح على الجميع" — لكنه لا يُجيب على السؤال الأصعب: كيف يُشكل حكومة دون من يُمثل الملايين الذين امتنعوا عن التصويت؟ المفوضية العليا، التي تدير العملية برمتها، تضم خمسة أعضاء، منهم جاسم محمد جعفر (الرئيس)، وهم يُدركون أن هذه الانتخابات لن تُعدّ نجاحاً حتى لو وُقّع على الحكومة. لأن النجاح الحقيقي هو الثقة — والثقة اختفت.
أسئلة شائعة
لماذا كانت مقاطعة التيار الصدري غير مسبوقة؟
لأنها المرة الأولى منذ 2003 التي يُغيب فيها التيار الصدري عن انتخابات برلمانية، رغم أنه كان يُشكل أكبر كتلة شيعية في كل انتخابات سابقة. بقيادة مقتدى الصدر، كان التيار يُحرك أكثر من مليوني ناخب في بغداد وحدها. مقاطعته ليست احتجاجاً عابراً، بل إعلان عن رفض كامل للنظام السياسي الذي يرى أنه "لا يملك معارضة حقيقية"، وفقاً لبياناته منذ يونيو 2024.
كيف تأثرت النتائج بغياب التيار الصدري؟
غياب التيار الصدري أدى إلى توزيع أصواته على كتل أخرى، لكن بشكل غير متكافئ. بعض الأصوات ذهبت لائتلافات قريبة مثل حركة الصادقون، لكن معظمها بقي مجمّداً. هذا جعل التحالفات الصغيرة أكثر أهمية، لكنه خلق فراغاً شعبياً كبيراً. من يُمثّل الملايين الذين لم يصوتوا؟ لا أحد. وهذا يُضعف شرعية أي حكومة تُشكل بعد ذلك.
هل يمكن لـ محمد شياع السوداني تشكيل حكومة دون التيار الصدري؟
تقنياً، نعم — إذا تعاون مع حزب تقدم ودولة القانون وائتلافات أخرى. لكنه لن يحصل على دعم شعبي واسع، ولا حتى دعم من الشارع الشيعي. في السابق، كان التيار الصدري يُستخدم كـ"مقياس" للشرعية. بدونه، أي حكومة ستُعتبر "حكومة كتل صغيرة"، وليس حكومة وطنية. وهذا يزيد من احتمال اندلاع احتجاجات جديدة، خاصة مع تدهور الأوضاع الاقتصادية.
ما دور المفوضية العليا للانتخابات في هذه الأزمة؟
المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، التي تأسست عام 2004، نجحت في إجراء الانتخابات بأمان وشفافية تقريباً، لكنها لا تستطيع إجبار الناس على التصويت. دورها الفني مُحترم، لكنها لا تملك سلطة سياسية لمعالجة غياب الثقة. رئيسها جاسم محمد جعفر وفريقه يعلمون أن النجاح لا يُقاس بعدد المصوتين، بل بدرجة ثقة الشعب — وهي الآن عند أدنى مستوياتها منذ عقد.
ما الذي يُغيّر المشهد في المرحلة القادمة؟
المرحلة القادمة لن تُحسم في قاعة البرلمان، بل في الشوارع. إذا فشلت الحكومة الجديدة في تحسين الخدمات، أو إذا تأخرت في تشكيلها، فقد تُعيد التيار الصدري إلى الساحة — لكن هذه المرة بقوة احتجاجية، وليس انتخابية. الأهم: هل سيُعيد الصدر تشكيل تحالفاته مع كتل مسلحة؟ أم سيُطلق حركة احتجاجية وطنية؟ هذا السؤال هو الذي سيحدد مستقبل العراق، وليس الأرقام التي أعلنتها المفوضية.
هل هناك خطر تفكك الدولة بسبب هذه الانتخابات؟
لا توجد مؤشرات مباشرة على تفكك الدولة، لكن هناك تآكلاً هادئاً في الشرعية. عندما يُصبح 56% فقط من الناخبين مشاركين، فهذا يعني أن أكثر من 8 ملايين عراقي لا يرون في النظام أي تمثيل لهم. هذا لا يُهدد الاستقرار بالسلاح فحسب، بل بالانسحاب الاجتماعي. إذا استمر هذا النمط، فسيُصبح العراق دولةً ذات حكومة، لكن بلا شعب يُصدق فيها — وهذا أخطر من أي حرب.