باكستان تؤكد دعمها لعملية نبع السلام التركية في سوريا وتعزز تحالفها الاستراتيجي مع أنقرة
في أكتوبر 2019، بينما كانت قنابل تركيا تُقصف الحدود السورية، وصلت رسالة دعم غير متوقعة من إسلام آباد: عمران خان، رئيس وزراء باكستان آنذاك، اتصل مباشرة بـ رجب طيب أردوغان وأعلن دعم بلاده لـ عملية نبع السلامشمال شرق سوريا. لم يكن هذا مجرد تصريح دبلوماسي عابر. كان إشارة واضحة أن التحالف الإسلامي الاستراتيجي بين أنقرة وإسلام آباد لم يعد مجرد شعارات، بل تحوّل إلى مصلحة أمنية وسياسية ملموسة.
لماذا دعمت باكستان عملية عسكرية مثيرة للجدل؟
السبب ليس بسيطًا. تركيا وصفت العملية بأنها ضرورة لمحاربة ما سمّته "الممر الإرهابي" على حدودها الجنوبية — أي وحدات حماية الشعب الكردية، التي تعتبرها تركيا فرعًا لحزب العمال الكردستاني (PKK). لكن باكستان لم تكن تدعم العملية فقط لأن تركيا طلبت ذلك. كانت تدعمها لأنها ترى في استقرار الحدود السورية مفتاحًا لإعادة توطين 3.6 مليون لاجئ سوري يعيشون في تركيا، وهو رقم يقارب عدد سكان باكستان الكامل تقريبًا. وعندما قال السفير الباكستاني لدى الأمم المتحدة في أغسطس 2025 إن "أكثر من 16 مليون سوري يحتاجون مساعدة إنسانية"، لم يكن يتحدث عن أرقام مجردة. كان يشير إلى أن الحلّ الذي تقدمه تركيا — منطقة آمنة بعمق 30 كيلومترًا — قد يكون أقرب واقعية من المطالبات الدولية بالحل السياسي الذي لا يُطبق.التحالف الاستراتيجي: من كشمير إلى قبرص
هذا الدعم ليس عرضيًا. إنه جزء من شراكة عمرها أكثر من نصف قرن. عندما احتلت الهند أجزاء من كشمير عام 1965، وقفت تركيا إلى جانب باكستان في المحافل الدولية، وانتقدت التوسع الهندي خارج المناطق المتنازع عليها. وفي المقابل، دعمت باكستان تركيا في قضية قبرص، وقدمت لها دعماً عسكريًا ولوجستيًا، حتى عندما كانت أنقرة وحدها في مواجهة الضغوط الأوروبية. هذه ليست مصالح عابرة. هذه علاقات مبنية على روابط دينية، تاريخية، وأمنية. عندما تقول باكستان إنها تدعم "وحدة سوريا وسيادتها"، فهي لا تتناقض مع دعمها لعملية نبع السلام. بل تُعيد تعريف المفهوم: فلها نظرة مختلفة للسيادة — لا تُقاس بوجود جيش النظام فقط، بل بقدرة المنطقة على العودة إلى الاستقرار.وقف إطلاق النار: اتفاق ميداني، لا سياسي
في 23 أكتوبر 2019، عند الظهر بالتوقيت المحلي، سُكتت المدافع. اتفاق وقف إطلاق النار الذي وقّعته تركيا وروسيا وسوريا لم يكن اتفاق سلام. كان اتفاقًا عسكريًا عمليًا: تسيير دوريات مشتركة على بعد 10 كيلومترات من الحدود، باستثناء القامشلي. وتم إدخال الشرطة العسكرية الروسية والحرس الحدودي السوري إلى المناطق المحيطة، لتمكين وحدات حماية الشعب من الانسحاب على عمق 30 كيلومترًا — في غضون 150 ساعة فقط. هذا ليس تحريرًا. هذا ترتيب ميداني. وباكستان، التي لم تُشارك في المفاوضات، لم تُعلّق على التفاصيل. لكنها لم تُعارضها. وهذا في حد ذاته رسالة.
الدعم المستمر: من شهباز شريف إلى السفارة
حتى بعد تغيّر الحكومة الباكستانية، لم يتغير الموقف. في رسالة تهنئة وجهها محمد شهباز شريف، رئيس الوزراء الحالي، إلى سوريا، أعرب عن أمله في "السلام والتقدم والازدهار". وفي بيان لـ السفارة الباكستانية، أيدت رفع العقوبات عن سوريا — لكنها لم تُطالب بعودة النظام. بل قالت بوضوح: "أي حل يقوده السوريون ويملكون زمامه". هذه ليست تناقضات. هذه دبلوماسية ذكية. باكستان لا تدعم النظام ولا تدعم الأكراد. تدعم الاستقرار. وتُقدّم تركيا كأداة لتحقيقه.ما الذي يغيّر في الموقف الباكستاني اليوم؟
لا شيء. بل على العكس. ففي ظل تدهور الأوضاع الإنسانية في سوريا، وارتفاع تكاليف إيواء اللاجئين في تركيا، وانهيار الاقتصاد السوري، أصبحت فكرة "المنطقة الآمنة" أكثر إقناعًا من أي وقت مضى. باكستان لا تقول إن تركيا تملك الحق في غزو سوريا. لكنها تقول: إذا كان هناك من يُعيد ترتيب الوضع على الأرض، فليكن من يملك القدرة على الحفاظ على الأمن — وليس من يُطالب بانتخابات لم تُجرَ منذ 14 عامًا.
العلاقة مع تركيا: أكثر من مجرد حلف
العلاقات بين إسلام آباد وأنقرة تتجاوز المصالح. هناك تبادل عسكري، وتدريب مشترك، وتعاون في مجال الصناعات الدفاعية. تركيا تزوّد باكستان بطائرات مقاتلة، وباكستان تُقدّم دعمًا دبلوماسيًا في المنظمات الإسلامية. هذا التحالف يُبنى على مبدأ بسيط: نحن لا نثق بالغرب، فلنثق ببعضنا. وعندما تأتي أزمة مثل نبع السلام، لا يُسأل الباكستاني: "هل هذا قانوني؟" بل: "هل هذا يحمينا؟".أسئلة شائعة
لماذا دعمت باكستان عملية نبع السلام رغم انتقادات المجتمع الدولي؟
باكستان لم تُعارض العملية لأنها ترى فيها فرصة لحل أزمة اللاجئين، فضلاً عن التزامها الاستراتيجي بتركيا. فدعمها لا يُبنى على مواقف غربية، بل على مصالح أمنية واقتصادية مباشرة: إعادة توطين 3.6 مليون لاجئ سوري في منطقة آمنة يقلل من الضغط على الاقتصاد الباكستاني الذي يُعاني من تدفق اللاجئين عبر تركيا، كما أنه يُعزز التحالف مع أنقرة في قضايا حساسة مثل كشمير.
هل دعم باكستان لتركيا يعني تغيير موقفها من سوريا؟
لا. باكستان تُصرّ على دعم "وحدة سوريا وسيادتها"، لكنها تُعيد تعريف هذه المفاهيم. فهي لا ترى السيادة في وجود النظام فقط، بل في قدرة الأراضي السورية على العودة إلى الاستقرار. دعمها لـ"نبع السلام" يُعتبر وسيلة لتحقيق هذا الهدف، وليس تناقضًا معه، خاصة أن تركيا تلتزم بإعادة اللاجئين وتحقيق الأمن في المناطق التي تسيطر عليها.
ما تأثير هذا الدعم على العلاقات بين باكستان والدول الغربية؟
لم يؤدِّ الدعم إلى عزلة دبلوماسية، لأن باكستان تُبرّر موقفها عبر معايير إنسانية وأمنية، وليس سياسية. ففي الأمم المتحدة، ركّزت على الأزمة الإنسانية وضرورة رفع العقوبات، وليس على شرعية العملية العسكرية. هذا النهج جعل موقفها مقبولًا حتى لدى الدول التي انتقدت تركيا، لأنها تُقدّم حلاً عمليًا، لا شعارًا.
هل هناك احتمال أن تشارك باكستان عسكريًا في سوريا؟
لا توجد مؤشرات حالية على أي تورط عسكري باكستاني. الموقف يبقى دبلوماسيًا ودعمًا سياسيًا. لكن التدريبات العسكرية المشتركة بين البلدين، ونقل التكنولوجيا الدفاعية، تُشير إلى تعميق التعاون الأمني. إذا تدهورت الأوضاع في شمال سوريا، فقد يُصبح الدعم اللوجستي — وليس القتالي — خيارًا مطروحًا.
كيف يرى الشعب الباكستاني دعم بلاده لتركيا في سوريا؟
الرأي العام الباكستاني يدعم بقوة المواقف المؤيدة لتركيا، خاصة في قضايا تتعلق بالإسلام أو المقاومة. وسائل التواصل الاجتماعي امتلأت بعبارات مثل "تركيا تدافع عن المسلمين، وباكستان معها". لكن هناك أيضًا انتقادات من أوساط حقوقية ترى أن الدعم يُقوّض مبادئ السيادة. ومع ذلك، تبقى المصلحة الاستراتيجية والدينية هي المسيطرة.
ما مستقبل التحالف الباكستاني-التركي في سوريا؟
المستقبل يعتمد على نجاح "المنطقة الآمنة" في استيعاب اللاجئين وتحقيق الاستقرار. إذا نجحت تركيا في إعادة 1.5 مليون لاجئ على الأقل خلال السنوات الخمس القادمة، فسيزداد الدعم الباكستاني. وإذا فشلت، فقد تُعيد إسلام آباد تقييم موقفها. لكن التحالف الاستراتيجي ككل لن يتأثر، لأنه أعمق من سوريا — فهو مبني على قرون من التفاهم المشترك.