أمطار غزيرة وفوضى جوية تضرب الأردن: تحذيرات من فيضانات مفاجئة في الوادي والأغوار

أمطار غزيرة وفوضى جوية تضرب الأردن: تحذيرات من فيضانات مفاجئة في الوادي والأغوار

بينما كان السكان في الأردن يستعدون لعطلة نهاية الأسبوع، واجهوا واقعاً قاسياً: أمطار غزيرة، رعد، برد قارس، وفوضى جوية لم يشهدها الموسم الشتوي منذ سنوات. الإدارة الجوية الأردنية أصدرت تحذيراً طارئاً في يوم الخميس 18 ديسمبر 2025، بعد أن تحولت العاصفة المنخفضة التي نشأت فوق تركيا إلى كارثة مناخية متصاعدة، تضرب مناطق واسعة من المملكة، خاصة وادي الأردن والبحر الميت. الأمطار لم تكن عادية — بل كانت مصحوبة بالبرد، والبرق، وحتى البرد، وسط رياح جنوبية غربية تثير الغبار في منطقة البادية، وتُخفي الرؤية خلف الضباب والغيوم المنخفضة. هنا، في هذه الأرض التي تعرف جيداً كيف تعيش مع الجفاف، أصبحت المياه هي العدو الأكبر.

الفيضانات لا تنتظر التحذيرات

التحذيرات لم تكن مجرد إجراء روتيني. الإدارة العامة للأمن العام، التي تُعرف بـ ال PSD، أعادت تأكيد نداء الطوارئ، مطالبة المواطنين بتجنب الوديان، والمناطق المنخفضة، وتجنب عبور أي تجمع مائي — سواء سيراً على الأقدام أو بالسيارة. الناطق الرسمي، المقدم سالم المجالي، قال بوضوح: "مستويات المياه ترتفع باستمرار في الوادي والأغوار، ولا أحد يعلم متى سيغمر الطريق الذي كنت تستخدمه بالأمس". هذا ليس تخويفاً — بل تجربة مريرة. في عام 2022، تسببت فيضانات مشابهة في مقتل 11 شخصاً في وادي عربة، ودمرت مئات المنازل. الآن، تعود نفس السيناريو، لكن هذه المرة مع توقعات أكثر دقة من الإدارة الجوية.

درجات الحرارة تُذكّر بالشتاء القديم

في عمان، حيث يعيش أكثر من 4 ملايين نسمة، وصلت درجة الحرارة العظمى إلى 10 درجات مئوية، والصغرى إلى 7 درجات — أي أقل من المعدل الطبيعي بـ 4 درجات. في المقابل، كانت أقصى درجة في أكابا 22 درجة، لكن حتى هناك، رياح غربية نشطة جعلت الطقس مزعجاً. الناس في المناطق الجبلية يشعرون بالبرد أكثر من المعتاد. المصابيح الكهربائية لا تكفي. الكثير من الأسر تلجأ إلى سخانات الغاز والديزل، لكن الإدارة العامة للأمن العام حذرت بقوة: لا تملأ السخانات أثناء تشغيلها، لا تتركها تعمل أثناء النوم، وافتح النوافذ قليلاً — لأن أول أكسيد الكربون لا يُرى، لكنه يقتل.

الاستجابة الطارئة: من يقف على الخط الأمامي؟

منذ صباح الخميس، والدفاع المدني الأردني — الذراع التنفيذية لوزارة الداخلية — على أهبة الاستعداد. فرق الطوارئ موزعة في وادي رم، ووادي الأردن، وساحل البحر الميت، حيث ترتفع منسوبات المياه بسرعة. وفي المدن الكبرى، مثل عمان والزرقاء وإربد، أرسلت وزارة الأشغال العامة والإسكان فرق صرف صحي لتفريغ المجاري وتفادي تجمع المياه في الأحياء المنخفضة. هذا ليس فقط عن السلامة — بل عن الاقتصاد. فيضانات الطرق تعني توقف حركة البضائع، وانقطاع الكهرباء، وتعطيل المدارس. في 2023، تكبد الأردن خسائر اقتصادية مباشرة بلغت 120 مليون دينار بسبب الطقس المتطرف. هذا العام، قد تكون الخسائر أكبر.

العاصفة لا تعرف الحدود

الأنباء من لبنان تقول إن أول ثلوج لهذا الموسم بدأت تتساقط على قمم جبالها — وهي إشارة قوية على عمق النظام الجوي. عربي ويتير، المرصد الجوي الإقليمي، أكد أن هذه العاصفة هي جزء من نظام أكبر يمتد من تركيا إلى فلسطين، ويؤثر على سوريا وإسرائيل بنفس القدر. في حلب، توقفت المدارس. في القدس، ارتفعت مستويات الأنهار الجوفية. في الأردن، لا أحد ينام بسلام. حتى الآن، لم تُبلغ عن وفيات، لكن الأرقام تُراقب بدقة. المخاوف ليست فقط من الفيضانات، بل من تراكم المياه في مناطق تفتقر إلى البنية التحتية — مثل قرى البادية، أو مخيمات اللاجئين.

ما الذي سيحدث بعد الأحد؟

ما الذي سيحدث بعد الأحد؟

الإدارة الجوية الأردنية تتوقع تحسنًا تدريجيًا بحلول الأحد 21 ديسمبر، لكنها حذرت من أن الرطوبة قد تستمر حتى الاثنين 22 ديسمبر، خاصة في الشمال. هذا لا يعني نهاية الخطر. ففي الأردن، عندما تتوقف الأمطار، يبدأ الخوف الحقيقي: ترسبات الطين، انهيارات التربة، تلوث مصادر المياه. مهندسو الصرف في عمان يعلمون هذا جيداً. ففي 2021، بعد أسبوع من هطول الأمطار، انتشرت حالات التسمم بالماء في مخيمات الزرقاء. الآن، تُستعد المستشفيات لزيادة حالات الالتهابات التنفسية، والتهابات الجلد، والتهابات الأذن — خاصة بين الأطفال وكبار السن.

لماذا هذا الشتاء مختلف؟

الخبراء في الإدارة الجوية الأردنية، بقيادة المدير العام الدكتور أحمد الراشدة، يقولون إن هذا النظام الجوي هو الأقوى منذ بداية موسم 2025-2026. السبب؟ تفاعل بين منخفض جوي عميق من تركيا، وتيارات رطبة باردة من البحر الأبيض المتوسط — وهي ظاهرة لم تكن شائعة قبل عقد من الزمن. التغير المناخي لم يعد مجرد مصطلح أكاديمي. هو الآن واقع يُغيّر توقعات الطقس، ويزيد من تكرار الكوارث، ويُضعف قدرة الدولة على التكيف. الأردن، الذي يعاني أصلاً من ندرة المياه، لم يعد قادراً على تحمل المزيد من التقلبات.

أسئلة شائعة

كيف تؤثر هذه الأمطار على الاقتصاد المحلي؟

الفيضانات تُعطّل الطرق، وتُوقف حركة البضائع، وتُدمّر المحاصيل الزراعية في وادي الأردن، الذي يُنتج 30% من الخضار الوطنية. كما تؤدي إلى توقف مشاريع البناء، وتعطيل المدارس، مما يُكلّف الاقتصاد ما بين 20 إلى 40 مليون دينار أسبوعياً، وفق تقديرات وزارة التخطيط. في المناطق السياحية مثل البحر الميت، تُلغى حجوزات الفنادق، مما يضرب قطاعاً يعتمد عليه 150 ألف عامل.

لماذا يُحذّر من السير أو القيادة عبر المياه؟

المياه التي تبدو هادئة يمكن أن تجرف سيارة كاملة بسرعة 15 كم/ساعة. في عام 2020، مات 7 أشخاص في وادي موسى بعد أن حاولوا عبور طريق غمرته المياه. حتى 15 سنتيمتراً من المياه يمكن أن تطفو سيارة صغيرة. القيادة عبرها لا تُعد مغامرة — بل انتحار. الأمن العام يؤكد أن 80% من وفيات الفيضانات تحدث بسبب هذا السلوك.

هل هناك خطة طويلة الأمد لمواجهة هذه الكوارث؟

نعم، لكنها بطيئة. وزارة الأشغال أطلقت مشروع "أرض آمنة" عام 2023 لتعزيز أنظمة الصرف في 12 مدينة، لكن حتى الآن تم إنجاز 40% فقط. التمويل محدود، والبيروقراطية تبطئ التنفيذ. الخبراء يقولون إن الأردن يحتاج إلى استثمار 1.2 مليار دينار على مدى 10 سنوات لبناء نظام وقاية فعّال — وهو رقم لا يمكن تغطيته دون مساعدة دولية.

ما الذي يجب على الأسر فعله الآن؟

أولاً: تأكد من أن سخاناتك تعمل بشكل آمن، وافتح نافذة صغيرة. ثانياً: احجز مساحة في الطابق العلوي لتخزين الأغراض المهمة. ثالثاً: احمل هاتفك مشحوناً، واحفظ رقم الطوارئ 911. رابعاً: لا تخرج إلا للضرورة، وتجنب التلال والوديان. هذه ليست توصيات — بل تعليمات حياة أو موت.

لماذا لم تُعلن حالة الطوارئ الرسمية؟

الحكومة تفضل العمل عبر "الاستجابة الميدانية المكثفة" بدلاً من الإعلان الرسمي، لأن حالة الطوارئ تعني إغلاق المدارس والدوائر، وهو ما يُسبب اضطرابات اقتصادية أكبر. لكن هذا التكتيك يُثير جدلاً. نشطاء يقولون إن التأخير في الإعلان يُضيع الوقت القيّم. الإدارة الجوية تقول إنها تُراقب الموقف كل ساعة، وتُصدر التحديثات فوراً عبر تطبيقها.

هل سيتكرر هذا الشتاء العام القادم؟

الخبراء لا يستطيعون التأكيد، لكن نماذج المناخ تشير إلى أن الأردن سيشهد المزيد من العواصف الشتوية القوية، بسبب ارتفاع درجات حرارة البحر الأبيض المتوسط. هذا ليس مجرد موسم سيء — بل بداية لعصر جديد. التكيف ليس خياراً، بل ضرورة وجودية.