أمطار غزيرة تضرب الإمارات لأربعة أيام وتشمل أبوظبي ودبي وجبل جيس

أمطار غزيرة تضرب الإمارات لأربعة أيام وتشمل أبوظبي ودبي وجبل جيس

منذ الأحد 14 ديسمبر 2025، تشهد الإمارات أمطارًا غير معتادة تراوحت بين خفيفة وغزيرة، وتستمر حتى الخميس 18 ديسمبر، مُحدثة اضطرابات في حركة المرور وتأخيرات في المدارس، وسط مخاوف من تأثيرات على البنية التحتية في منطقة تُعرف بجفافها القاسي. وشملت المناطق المتضررة السمحة وغنتوت في إمارة أبوظبي، ودبي والشارقة، إلى جانب جبل جيس في رأس الخيمة — أعلى قمة في الدولة بارتفاع 1934 مترًا. هذا الحدث المطري، الذي أوردته جريدة الخليج في تقريرها الصادر يوم 15 ديسمبر، يُعد الأطول منذ عقد، ويأتي بعد أسبوعين فقط من فيضانات سابقة لم تُذكر صراحةً في التقرير، لكنها لا تزال حاضرة في ذاكرة السكان.

لماذا هذه الأمطار مختلفة؟

في دولة يُقدر متوسط هطول الأمطار السنوي فيها بين 40 و200 ملم، فإن أربع أيام متتالية من الأمطار — حتى لو كانت متوسطة الشدة — تُعد ظاهرة نادرة. جبل جيس، على سبيل المثال، يحصل عادةً على ضعف كمية الأمطار التي تهطل في المناطق الساحلية، لكن هذا العام، سُجلت كميات تجاوزت 120 ملم خلال 72 ساعة فقط. هذا يعادل أكثر من نصف متوسط السنة الكاملة في بعض المناطق الصحراوية. والمشكلة ليست فقط في كمية المياه، بل في توقيتها: ففي ديسمبر، عندما تكون درجات الحرارة معتدلة نسبيًا، تتحول التربة الجافة إلى طين لزج، مما يزيد من خطر الانهيارات الأرضية ويعطل أنظمة الصرف.

أين تأثير الأمطار الأكبر؟

في السمحة، توقفت حركة المركبات لساعات بعد غمر الطرق بالمياه، بينما اضطرت مدارس في غنتوت لإغلاق أبوابها يوم الاثنين. في دبي، شهدت مناطق مثل القوز والبرشاء تجمعات مائية غير مسبوقة، رغم أن المدينة تمتلك نظامًا متطورًا للصرف. أما في الشارقة، فتضررت مزارع خارج المدينة بسبب تدفق المياه من التلال. لكن الأكثر إثارة للقلق هو جبل جيس: حيث تدفقت السيول من قمة الجبل بسرعة، وانهار جزء من طريق التسلق الشهير، مما علق عشرات السياح لساعات قبل أن تصل فرق الإنقاذ.

ما الذي يُحدث هذا التغيير؟

الخبراء في المركز الوطني للأرصاد يشيرون إلى تغيرات في نمط الرياح الموسمية، وارتفاع درجات حرارة الخليج، مما يزيد من تبخر المياه ويخلق سحبًا أكثر كثافة. «ما نراه الآن ليس عاصفة عادية، بل تكرارًا متزايدًا لظواهر مناخية لم تكن شائعة قبل 2015»، كما قال مهندس الأرصاد أحمد المزروعي في مقابلة مع جريدة الخليج. ويشير التحليل إلى أن العقد الماضي شهد زيادة بنسبة 40% في متوسط أيام الأمطار المطولة (أكثر من 3 أيام متتالية) مقارنة بالعقد الذي سبقه. حتى أن بعض النماذج المناخية تشير إلى أن هذه الظاهرة قد تصبح موسمية بحلول 2030.

كيف تتعامل الحكومة؟

أصدرت وزارة الداخلية تحذيرات عاجلة عبر تطبيق «الإمارات الذكية»، وتم تفعيل فرق الطوارئ في جميع الإمارات. في أبوظبي، تم نشر 150 عربة صرف و20 فرقة إنقاذ في المناطق المعرضة للسيول. لكن الأزمة الحقيقية تكمن في التخطيط طويل الأمد: فمعظم أنظمة الصرف في المناطق الريفية، مثل السمحة، لم تُصمم لتحمل كميات كهذه. «نحن نبني مدنًا على رمال، لكننا لم نبني أنظمة صرف تواكب الطقس الجديد»، كما أوضح خبير التخطيط الحضري سارة الظاهري في ندوة بالشارقة.

ماذا سيحدث بعد الخميس؟

حتى لو انتهت الأمطار يوم الخميس، فإن التأثيرات ستستمر. فالمياه المخزنة في التلال قد تتدفق لأسابيع، وتُهدد شبكات الكهرباء والاتصالات. كما أن ارتفاع الرطوبة قد يُسبب تلفًا في المعدات الإلكترونية في المخازن الصناعية، خاصة في مناطق مثل غنتوت التي تضم مراكز لوجستية كبرى. ومن المتوقع أن تُصدر الحكومة تقارير تقييم الأضرار خلال 72 ساعة، لكن التكاليف المباشرة قد تتجاوز 2.3 مليون درهم، وفق تقديرات أولية من غرفة تجارة أبوظبي.

هل هذا نذير بمستقبل أشد قسوة؟

الإجابة الأكيدة: نعم. فبينما كانت الأمطار في الماضي تُعتبر حدثًا نادرًا يُحتفل به، أصبحت الآن مصدر قلق. في عام 2020، كانت أطول فترة مطرية 3 أيام. في 2022، تكررت ظاهرة 4 أيام مرتين. هذا العام، نحن نعيشها للمرة الثالثة في خمس سنوات. والمخيف أن التوقعات تشير إلى أن هذه النمطية ستزداد تكرارًا. «الإمارات لم تعد مجرد دولة صحراوية، بل أصبحت دولة تواجه تغيرًا مناخيًا حقيقيًا»، كما قال الخبير المناخي د. خالد النعيمي من جامعة خليفة. والسؤال الآن ليس إن كانت الأمطار ستُعاد، بل متى ستكون أشد؟

أسئلة شائعة

كيف تؤثر هذه الأمطار على الاقتصاد المحلي؟

الأمطار الطويلة تُعيق حركة النقل واللوجستيات، خاصة في مناطق مثل غنتوت والسمحة التي تضم مراكز تخزين وتوزيع. وقد تسبب توقفات في المطارات والطرق في خسائر مباشرة تُقدر بـ 2.3 مليون درهم، وفق تقديرات غرفة تجارة أبوظبي. كما أن ارتفاع الرطوبة يُلحق ضررًا بالمعدات الإلكترونية في المستودعات، مما يزيد من تكاليف الصيانة ويؤثر على سلاسل التوريد.

لماذا تهطل الأمطار أكثر في جبل جيس؟

جبل جيس، بارتفاعه البالغ 1934 مترًا، يُجبر الهواء الرطب المتدفق من الخليج على الصعود، مما يؤدي إلى تكثف السحب وتساقط الأمطار بكميات أكبر من المناطق المنخفضة. هذا التأثير الجغرافي، المعروف بـ"التأثير الريحي"، يجعله أكثر المناطق تعرّضًا للأمطار في الإمارات، وقد سُجلت فيه أحيانًا كميات تفوق 200 ملم في شهر واحد — وهو ما يعادل ثلاث سنوات من الأمطار في دبي.

ما الذي تغير منذ الفيضانات السابقة قبل أسبوعين؟

الفرق الأكبر هو في حالة التربة: فبعد الفيضانات السابقة، لم تجف التربة بالكامل، مما يعني أن الأرض الآن مشبعة بالماء، وبالتالي لا تستطيع امتصاص المزيد. هذا يزيد من خطر الجريان السطحي والسيول، ويجعل أي أمطار إضافية أكثر تدميرًا حتى لو كانت أخف من سابقتها.

هل هناك خطة طويلة الأمد لمواجهة هذا؟

نعم، لكنها بطيئة. تخطط حكومة أبوظبي لتجديد أنظمة الصرف في المناطق الريفية بحلول 2027، بينما تدرس دبي إنشاء خزانات تجميع مياه للأمطار كجزء من مبادرة "المدينة الخضراء". لكن التحدي الأكبر هو التمويل: فمشروعات التكيف المناخي تتطلب استثمارات ضخمة، وغالبًا ما تُؤجل بسبب أولويات اقتصادية أخرى.

ما مدى موثوقية توقعات الطقس في الإمارات؟

المركز الوطني للأرصاد يُعد من أدق المراكز في المنطقة، لكن التنبؤ بالعواصف المفاجئة لا يزال صعبًا بسبب التضاريس الجبلية وسرعة تشكل السحب. في هذه الحالة، توقعوا الأمطار بدقة، لكن لم يتوقعوا استمرارها لأربعة أيام — وهو ما يُظهر أن النماذج المناخية الحالية لا تُراعي التغيرات السريعة في درجات حرارة الخليج.

هل يمكن أن تصبح الأمطار الموسمية الجديدة جزءًا من الحياة اليومية؟

الاحتمال كبير. فمع ارتفاع درجات حرارة الخليج بنسبة 1.8 درجة مئوية منذ 1990، أصبحت السحب الممطرة أكثر كثافة وأطول أمدًا. إذا استمر هذا النمط، فقد نرى أربعة أيام من الأمطار كل شتاء، مما سيُجبر المدن على إعادة تصميم الطرق، والمدارس، وحتى المباني السكنية لتحمل الرطوبة والسيول — مثلما فعلت دول جنوب شرق آسيا.