باكستان تُعيد التأكيد على دعمها لسيادة سوريا ووحدتها بعد سقوط الأسد
في قلب دمشق، حيث تُسمع أصوات المفاوضين تختلط بنبض المدينة التي عاشت حربًا دامت أكثر من عقد، وقّع مسؤولون باكستانيون على رسالة واضحة: سوريا لن تُترك وحدها. في 2 يونيو 2025، التقى وفد باكستاني رفيع المستوى بوزير الخارجية السوري أسعد الشعيباني، وأعاد تأكيد دعم إسلام آباد لسيادة سوريا ووحدتها وسلامة أراضيها — ليس كعبارة دبلوماسية جافة، بل كالتزام ملموس، مدعوم بخطوات ملموسة منذ سقوط بشار الأسد في ديسمبر 2024.
الدبلوماسية التي لم تنقطع حتى في أحلك الظروف
ما يميز الموقف الباكستاني ليس فقط التصريحات، بل الاستمرارية. بينما انسحب العديد من الدول سفارتها أو خفّضوا مستوى تمثيلهم خلال سنوات الحرب، ظل السفير الباكستاني في دمشق، وظلت السفارة تعمل. حتى في أوج القصف، عندما كانت الطائرات تُحلق فوق الأحياء المدمرة، كانت البعثة الباكستانية تُرسل تقاريرها، وتُنظم لقاءات سرية مع مسؤولين محليين، وتُحافظ على جسر حي بين البلدين. هذا لم يكن تصرفًا عابرًا، بل كان تعبيرًا عن عقيدة دبلوماسية: الصدق في العلاقات لا يُقاس بالقوة، بل بالثبات.
في 1 أكتوبر 2025، استقبل الرئيس بالنيابة سيد يوسف رضا Gillani السفير السوري الدكتور رامز الراعي في آيوان-إي-سادار في إسلام آباد، وأعاد تأكيد أن باكستان كانت دائمًا إلى جانب سوريا في الأزمات. ولفت الرئيس بالنيابة إلى علاقة حضارية عميقة بين دمشق ومُلتان — مدينتان تفصلهما آلاف الكيلومترات لكنهما تتقاسمان 14 قرنًا من التراث الإسلامي، والصبر، والمقاومة.
رفع العقوبات: خطوة حيوية لإنقاذ الاقتصاد
العقوبات الغربية، خصوصًا الأمريكية، كانت قاتلة. لم تُهدّم فقط البنية التحتية، بل قتلت فرص التعليم، والصحة، والزراعة. في 18 سبتمبر 2025، التقى وزير المالية الباكستاني محمد عورنگزيب بالسفير السوري، وأعلن بوضوح: "نرى تحسنًا حقيقيًا، لكن العقوبات لا تزال تُخنق التعافي". كان هذا التصريح موجّهًا مباشرةً إلى واشنطن، بعد أن أصدر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في يونيو 2025 أمرًا رسميًا برفع العقوبات عن سوريا — خطوة تُعدّ الأكبر منذ 2011.
الPakistan لم تكتفِ بالثناء. في مناقشات الأمم المتحدة منذ مطلع 2025، دافعت إسلام آباد بصوت عالٍ عن رفع العقوبات، مشيرة إلى أن 70% من الأدوية الأساسية لا تزال غير متوفرة بسبب قيود التمويل، وأن 1.2 مليون طفل سوري لا يحصلون على تغذية كافية بسبب انقطاع المساعدات. هذه الأرقام ليست مُجرّد إحصاءات — هي وجوه، وأمهات يقفن أمام صيدليات مغلقة، وأطفال يُنهون وجباتهم بخبز مُتجمّد.
تعاون عملي: من التعليم إلى التدريب العسكري
ما يُحدث فرقًا الآن ليس الكلام، بل الأفعال. في فبراير 2025، أعادت باكستان تفعيل مركز تكنولوجي بُني في دمشق منذ عقد، وبدأ في تدريب 300 مهندس سوري في الذكاء الاصطناعي وتطوير البرمجيات. وفي نفس الوقت، وُضعت خطط لنقل خبرات تعليمية من جامعات باكستانية مثل جامعة كراتشي إلى كليات سوريا، مع منح 200 منحة دراسية سنويًا لطلاب سوريين.
لكن الأهم، ربما، هو دعوة الرئيس بالنيابة Gillani لرئيس البرلمان السوري للمشاركة في مؤتمر المُشرعين البرلمانيينإسلام آباد في أكتوبر 2025 — أول زيارة رسمية من نوعها منذ سنوات. هذا ليس مجرد حدث دبلوماسي. إنه رسالة: سوريا تعود إلى الطاولة الدولية، والباكستانيون يُعدّون المقعد لها.
كما تُخطط باكستان لتدريب ضباط سوريين في أكاديمياتها العسكرية، وتقديم معدات دفاعية غير قاتلة: أنظمة اتصالات، معدات طبية، وزيّات واقية. هذا التوجه يتوافق مع تحالفات إقليمية جديدة — مع السعودية، وقطر، وتركيا — التي ترى في سوريا فرصة لإعادة تشكيل التوازن الإقليمي.
الصداقة التي تُبنى على التضامن المتبادل
العلاقات بين البلدين ليست جديدة. تعود إلى ديسمبر 1949، عندما عيّنت باكستان أول ممثل دبلوماسي لها في سوريا، السيد ج. رحيم. لكنها تغيّرت من دبلوماسية رسمية إلى صداقة حقيقية. في دمشق، توجد مدرسة تُقدّم تعليمًا لأبناء الجالية الباكستانية بخصم 98% — وهي ليست مدرسة عادية، بل رمز: فيها يتعلم الأطفال الباكستانيون اللغة العربية، ويرقصون على إيقاعات موسيقى سوريا، ويتعرفون على أجدادهم من خلال تاريخ المدينة.
وفي المقابل، دعمت سوريا باكستان في قضية كشمير، واعتبرتها نزاعًا دوليًا يجب حله وفق قرارات الأمم المتحدة. هذا التضامن، رغم بُعد المسافة، يُشكل حجر الزاوية في العلاقة.
ما الذي ينتظر البلدين؟
الخطوة التالية: إنشاء لجنة مشتركة للتجارة، وتوقيع اتفاقية تجارة حرة جزئية بحلول نهاية 2025. كما تُناقش إمكانية فتح خطوط طيران مباشرة بين كراتشي ودمشق، بعد أن توقفت منذ 2013. في الخلفية، تُعدّ باكستان مشاريع زراعية مشتركة لاستعادة أراضٍ زراعية في حمص وحلب، باستخدام تقنيات ري منخفضة التكلفة من السند.
التحدي الأكبر؟ التمويل. لكن الآن، مع رفع العقوبات، بدأت البنوك التركية والسعودية تُظهر اهتمامًا حقيقيًا بالاستثمار في سوريا. باكستان، بدورها، تُعدّ خطة لتمويل مشاريع البنية التحتية عبر صندوق التنمية الإسلامي.
أسئلة شائعة
كيف سيؤثر رفع العقوبات على الاقتصاد السوري؟
رفع العقوبات الأمريكية في يونيو 2025 فتح الباب أمام إعادة إدخال 2.3 مليار دولار من الاستثمارات الأجنبية المجمدة، وسهّل استيراد الأدوية والماكينات الزراعية. وفق تقارير البنك الدولي، من المتوقع أن ينمو الناتج المحلي السوري بنسبة 8.5% في 2026، وهو أعلى معدل منذ 2010. لكن التحدي الأكبر يبقى في إعادة بناء البنية التحتية المدمرة، والتي تكلف أكثر من 400 مليار دولار.
ما دور باكستان في إعادة إعمار سوريا؟
باكستان ليست مانحًا رئيسيًا، لكنها شريك استراتيجي. تقدم تدريبًا فنيًا، وتنقل خبرات في التعليم والصحة، وتدعم مشاريع تكنولوجية. كما تُسهّل تواصل الشركات الباكستانية مع نظرائها في سوريا، خاصة في قطاعات البناء والاتصالات. في 2025، وقّعت ثلاث شركات باكستانية اتفاقيات لتركيب أنظمة طاقة شمسية في مناطق حلب وحماة، بدعم من صندوق التنمية الباكستاني.
لماذا تدعم باكستان سوريا رغم تغيّر النظام؟
باكستان ترى أن استقرار سوريا مصلحة أمنية إقليمية. كما أن لديها موقفًا ثابتًا منذ عقود: لا تدخل أجنبي في شؤون الدول. دعمها ليس لشخص أو حزب، بل لسيادة الدولة. كما أن التضامن مع سوريا يعزز مكانتها في العالم الإسلامي، ويعيد تأكيد مبدأها الدبلوماسي: الصداقة لا تُقاس بالقوة، بل بالثبات.
هل هناك مخاوف من تزايد النفوذ الصيني أو الروسي في سوريا؟
بالطبع، لكن باكستان لا ترى هذا كمنافسة، بل كفرصة للتعاون. فهي تشارك مع الصين في مشاريع بنية تحتية، وتعمل مع روسيا في مجالات مكافحة الإرهاب. المهم أن تبقى سوريا مستقلة. باكستان تسعى لبناء شبكة متوازنة من الشراكات، لا للاستبدال، بل للتكامل — وهذا ما يجعل موقفها فريدًا في المنطقة.
ما مصير المدرسة الباكستانية في دمشق؟
المدرسة، التي تُدرّس منهجًا باكستانيًا مع تعليم عربي وعربي، تشهد ازدهارًا. في 2025، تضاعف عدد الطلاب إلى 450، منهم 60% سوريون. الحكومة السورية تدعمها، وتُقدّم أراضٍ جديدة لتوسيعها. هذه المدرسة لم تعد مجرد مكان للتعليم — بل جسر ثقافي، يربط بين جيلين: من تربى على حب سوريا، وجيل يولد على أمل إعادة بنائها.
هل ستُعيد باكستان فتح سفارتها في دمشق؟
السفارة لم تُغلق أبدًا، لكنها كانت تعمل بحد أدنى من الموظفين. الآن، تُخطط إسلام آباد لرفع مستوى التمثيل من قائم بالأعمال إلى سفير مُعيّن رسميًا بحلول يناير 2026. هذا القرار يُرسل رسالة قوية: باكستان ترى في سوريا شريكًا استراتيجيًا، وليس مجرد دولة مُنتظِرة للإعمار.