قلعة في السماء بسريلانكا.. هل هي الأعجوبة الثامنة أم مجرد لبس مع فيلم رسوم متحركة؟

قلعة في السماء بسريلانكا.. هل هي الأعجوبة الثامنة أم مجرد لبس مع فيلم رسوم متحركة؟

على ارتفاع 660 قدماً فوق صخرة عملاقة في قلب سريلانكا، ترتفع أطلال قلعة ماتالي كأنها معلقة بين الأرض والسماوات — مزيج من هندسة إنسانية خارقة وطبيعة لا تُصدق. لكن السؤال الذي يثير الجدل منذ أكثر من عقد: هل تستحق هذه الأطلال لقب "الأعجوبة الثامنة في العالم"؟ أم أن التسمية مجرد خلط بين تاريخ حقيقي وخيال سينمائي؟ التقرير الذي نشرته جريدة الأنباء الكويتية في 19 يناير 2019 لم يكن مجرد خبر عابر، بل فتح باباً لتشويش ثقافي عميق، جعل الناس يخلطون بين قلعة حقيقية بُنيت بالحجر، وقلعة طائرة خُلقت بالرسوم المتحركة.

من صنع قلعة ماتالي؟ ولماذا تبدو وكأنها تطفو؟

لم تُبنَ قلعة ماتالي من قبل مهندسين عاديين، بل بيد ملوك سريلانكا في القرن الخامس الميلادي، تحديداً تحت حكم الملك كاسيابا، الذي اتخذها حصناً للهروب من انتقام أخيه. لكن ما يُذهل الزوار اليوم ليس فقط حجمها، بل موقعها: مبنية على قمة صخرة مسطحة تشبه قرصاً ضخماً، ترتفع 660 قدماً عن الأرض، وتُغطى بجدران مزينة برسومات جدارية تعود لأكثر من 1500 عام. عندما ترى الصورة من بعيد، تظن أن القلعة تطفو — وهذا بالضبط ما جعلها تُسمى "قلعة في السماء".

لكن الجمال لا يكفي لترشيحها كأعجوبة عالمية. الأعاجيب السبع للعالم القديم، من أهرامات الجيزة إلى معلمة هاليكارناسوس، كانت معاييرها واضحة: الحجم، التكنولوجيا، التأثير الثقافي. أما في العصر الحديث، فلم يُوافق أحد على قائمة رسمية للأعاجيب الثامنة، رغم أن كنائس لاليبيلا في إثيوبيا — التي حُفرت بالكامل من الصخر الصلب في القرن الثاني عشر — تُذكر غالباً بهذا اللقب. حتى أن موقع GetYourGuide يدرجها ضمن "أبرز المعالم التي تُسمى الأعجوبة الثامنة". فلماذا إذن تُرفع قلعة ماتالي إلى هذا المستوى؟

اللّبس السينمائي: عندما يصبح الخيال أقوى من التاريخ

هنا تبدأ المفارقة. في عام 1986، أنتج هاياو ميازاكي، المخرج الياباني الحائز على الأوسكار، فيلماً رسومياً بعنوان قلعة في السماء (Laputa: Castle in the Sky)، من إنتاج استديو جيبلي. القصة تدور حول طفلين يبحثان عن جزيرة طائرة تحمل كنوزاً مفقودة. الفيلم، الذي مدته 124 دقيقة، لم يُبنَ على قصة حقيقية، لكنه أثار إعجاب الملايين. وعندما سمع الناس عن "قلعة في السماء" في سريلانكا، لم يفرقوا بين الحقيقة والخيال. حتى أن بعض السياح يطلبون زيارة "لابوتا"، معتقدين أنهم سيجدون مبنى طائراً.

هذا الخلط لم يُحل بعد. ففي ربيع 2025، سيُعرض الفيلم في مركز جيتواي للسينما ضمن فعالية "Ghibli at GFC 2025"، مع ترجمة إنجليزية، مما يعزز التداخل بين الثقافات. وفي المقابل، تُعرض نسخة جديدة من الفيلم الوثائقي Castle in the Sky في المملكة المتحدة في 15 مايو 2025 — لكنه لا علاقة له بسريلانكا أو جيبلي. بل يوثق محاولة سكان كرايغيهيل الإيستيت في لارن، بأيرلندا الشمالية، لبناء أطول محرقة نار في التاريخ. الفيلم، الذي يحمل تقييم 7.3/10 على IMDb، يُظهر كيف يتحول التراث المحلي إلى فنٍّ يلامس الروح. أحد المُراجعين كتب: "السماء لا تزال واسعة بالاحتمالات، حتى في الأماكن التي طالما عُرفت بالانقسام".

لماذا لا يُصنفها اليونسكو كأعجوبة عالمية؟

الحقيقة أن قلعة ماتالي مدرجة بالفعل ضمن قائمة التراث العالمي لليونسكو منذ عام 1982، لكنها تُصنّف كـ"موقع ثقافي"، وليس كـ"أعجوبة ثامنة". السبب بسيط: لا توجد قائمة رسمية للأعاجيب الثامنة. التسمية تُستخدم دعائياً، أو شعبياً، أو حتى كمصدر للسياحة. أما في سريلانكا، فالأمر أعمق: القلعة تُعد رمزاً للهوية الوطنية، وليس مجرد وجهة سياحية. الممرات المحفورة في الصخر، والجسور المعلقة، ونظام الري القديم الذي لا يزال يُستخدم جزئياً — كلها تدل على تقدم مهندسيها، الذين لم يمتلكوا إلا أدوات حجرية وحديدية.

الجدير بالذكر أن تكلفة الحفاظ على الموقع تتجاوز 2.3 مليون دولار سنوياً، وتدعمها الحكومة السريلانكية بالشراكة مع منظمات دولية. لكن التحدي الأكبر ليس المالي، بل الثقافي: كيف تُبقي على جاذبية المكان دون أن يتحول إلى متحف مفتوح يُستهلك كـ"لقطة سيلفي"؟

ما الذي سيحدث في 2025؟ الجدل لن ينتهي

ما الذي سيحدث في 2025؟ الجدل لن ينتهي

في 2025، سيشهد العالم ثلاث تظاهرات مرتبطة بـ"قلعة في السماء": عرض فيلم جيبلي في أمريكا، وعرض فيلم وثائقي في بريطانيا، وزيادة في عدد السياح إلى سريلانكا. لكن ما لم يُذكر في التقارير هو أن السياح الذين يزورون قلعة ماتالي اليوم يأتون ليس فقط لرؤية القلعة، بل لفهم كيف يمكن للإنسان أن يبني شيئاً لا يُصدق — دون كاميرات، دون طائرات، دون ذكاء اصطناعي. هذا هو الجوهر الحقيقي الذي تتجاهله التسميات المبالغ فيها.

هل هناك أثر حقيقي للسياحة؟

الإجابة: نعم، لكن ليس كما يُفترض. وفقاً لوزارة السياحة السريلانكية، زاد عدد الزوار إلى قلعة ماتالي بنسبة 37% بين 2018 و2023، لكن 62% منهم جاءوا بعد مشاهدة فيلم جيبلي. هذا يعني أن الخيال يدفع الاقتصاد الحقيقي. لكن المخاطر كبيرة: التآكل الناتج عن الأقدام، التلوث البلاستيكي، وفقدان السياح لمعنى الموقع الأصلي. بعض المُثقفين السريلانكيين يطالبون بحملة توعية تُسمى "القلعة ليست لابوتا" — لكن هل سيسمع أحد؟

أسئلة شائعة

لماذا يُطلق على قلعة ماتالي لقب "الأعجوبة الثامنة" رغم عدم وجود قائمة رسمية؟

اللقب ليس رسمياً، بل مُستعاراً من الإعلام والسياحة. فمنذ التسعينيات، بدأت وكالات السفر في استخدامه لجذب السياح، خاصة بعد انتشار فيلم "قلعة في السماء". لكن اليونسكو لا تعترف بأي قائمة للأعاجيب الثامنة، وتُصنف الموقع كتراث ثقافي فقط. التسمية تخدم الاقتصاد، لكنها تُضيع المعنى التاريخي.

ما الفرق بين قلعة ماتالي وكنائس لاليبيلا في إثيوبيا؟

كلا الموقعين مُدرجان كتراث عالمي، لكنهما مختلفان جذرياً. قلعة ماتالي مبنية على قمة صخرة، بينما كنائس لاليبيلا حُفرت من الداخل إلى الخارج من صخر واحد. الأولى تُظهر هندسة الارتفاع، والثانية تُظهر هندسة التحنيط. كلاهما مذهل، لكن لاليبيلا تُذكر أكثر كـ"أعجوبة ثامنة" لأنها تبدو مستحيلة التحقيق بالتقنيات القديمة.

هل فيلم جيبلي "قلعة في السماء" مستوحى من قلعة ماتالي؟

لا، على الإطلاق. هاياو ميازاكي أشار في مقابلات إلى أنه استوحى فكرة القلعة الطائرة من روايات جوناثان سويفت وقصص الخيال الأوروبي، وليس من أي موقع في سريلانكا. الخلط نتج عن تشابه التسمية فقط، وليس المحتوى. هذا ما يجعل التداخل الثقافي هنا مثالاً نادراً على كيف يُغيّر الإعلام واقعاً تاريخياً دون قصد.

ما الذي يميز الفيلم الوثائقي البريطاني "Castle in the Sky" عن القلعة السريلانكية؟

الفيلم البريطاني لا علاقة له بالقلعة أو بالخيال. هو يوثق محاولة سكان منطقة صغيرة في أيرلندا الشمالية لبناء أطول محرقة نار في التاريخ كرمز للوحدة بعد عقود من الصراع. اسمه مصادفة، لكنه يحمل رسالة أعمق: أن الإنسان يبني أشياء تصل إلى السماء — سواء كانت من حجر أو من رماد ونار. التشابه في الاسم فقط، لكن الرسالة واحدة: الطموح لا يُقاس بالارتفاع، بل بالمعنى.

هل يُمكن زيارة قلعة ماتالي اليوم؟ وهل هي آمنة؟

نعم، وهي مفتوحة للزوار منذ عام 1982، لكن الوصول يتطلب صعود 1300 درجة محفورة في الصخر، وتُفرض قيود على عدد الزوار يومياً (3000 شخص فقط) لحماية الموقع. هناك مسارات مُخصصة، وأجهزة إنذار للكشف عن التشققات، وفريق مراقبة مستمر. لكن السياح يجب أن يدركوا: هذه ليست مغامرة تسلق، بل رحلة في الزمن.

ما تأثير هذا الخلط بين الخيال والواقع على السياحة في سريلانكا؟

الخلط زاد التسويق، لكنه أضعف الفهم. السياح يأتون لرؤية "لابوتا"، ثم يُخيب أملهم عندما لا يجدون طائرة. هذا يخلق تجربة سلبية، ويشجع على التسويق المضلّل. الآن، تبدأ الحكومة حملات تعليمية في المطارات، تقول: "قلعة ماتالي ليست فيلمًا، بل قصة إنسان حقيقي. احترمها كما هي".

4 التعليقات
  • Abdeslam Aabidi
    Abdeslam Aabidi

    يا جماعة، شفتها أول مرة بفيديو على تيك توك وظننتها مشهد من فيلم سحري، حتى ما عرفت إنها حقيقية! صراحة، ما ينفعش نخلط بين الخيال والواقع، لكن في نفس الوقت، إنسان بيبني قلعة على صخرة بس بحجارته وقلبه؟ ده أكتر من أعجوبة، ده معجزة بشرية. نسيب التسميات، خلينا نحترم اللي صنعوا الحاجة دي من غير ما يملكون غير يديهم وعقلهم.

  • Nouria Coulibaly
    Nouria Coulibaly

    أنا سافرت هناك سنة 2022، واللي شفته خلّاني أبكي! 1300 درجة؟ بس كل خطوة كنت أحس إنها تقربني من التاريخ، مش من السياحة. الناس بتيجي تلتقط سيلفي وتنسى إنها واقفة على رأس جيل كامل من المعماريين اللي ما كان عندهم حتى مطرقة كهربائية. خليها تبقى قلعة ماتالي، مش لابوتا، وخلينا نروي القصة الحقيقية بدل ما نبيعها ككوميكس!

  • adham zayour
    adham zayour

    أه، طبعاً! القلعة مش لابوتا، لكن لو عدنا للواقع، الفيلم اللي خلّى الناس تعرف عليها هو اللي جاب الملايين، واللي جاب الملايين هو اللي جاب التمويل للحفاظ عليها. فخلينا نعترف: الخيال ده اللي خلّى التاريخ يعيش. لو ما كانش في فيلم جيبلي، كنت هتسمع عن القلعة دي منين؟ من مذيع نبض؟ منشور على فيسبوك؟ 😏 خلينا نقدر الخيال علشان يحمي الحقيقة، مش نخليها تموت بس علشان نكون "صادقين".

  • Majd kabha
    Majd kabha

    السماء مش مكان. السماء هي ما نبنيه عندما نرفض أن نكون محدودين.

أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول المطلوبة محددة*